كتاب قيم للعلامة الدكتور عبد الوهاب المسيري، يلقي الضوء على مرحلة فارقة في حياة مؤلفه، وهو ينطوي على جميع مقولاته الرئيسة التي بنى عليها مشروعه الفكري العملاق، الذي تتلمذ عليه جيل كامل من الشباب العربي. في هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن الفردوس الأمريكي الأرضي والحضارة الأمريكية، في مقدمة وأربعة أبواب وكلمة ختامية. وقد بين تفصيلا في مقدمته الباعث على هذه الدراسة والظروف التي كتبت فيها، حيث استمدها من انطباعاته ودراساته فترة إقامته في الولايات المتحدة 1963-1969 ثم 1971. والباب الأول يتناول البراجماتية الأمريكية والبراجماتية التلمودية، حيث يتشابهان في كثير من السمات وأهمها رفضهما للتاريخ، وإنشاؤهما مجتمعا استيطانيا يترك هويته القديمة ويستحدث قومية وتراثا جديدا ليعيش به فى أرض الميعاد. كما يستعرض فكر الفيلسوف وليم جيمس الذى قدم له المختارات تلميذه هوارس كالن المفكر الصهيوني، والعنف البراجماتي وشخصية الكاوبوي الأمريكية وفكرة البقاء للأقوى والأصلح. وفي الباب الثاني تكلم عن عالم السلع الفردوسي ومضاعفة الإنتاج لأشياء لا تلبي احتياجات الانسان الحقيقية، وأن ما يهدد العامل الامريكي ليس قلة السلع بل وفرتها واستهلاكه لتلك السلع. وفي الباب الثالث يتحدث عن الإنسان بين الأشياء والبراءة الأولى، حيث عقد مقارنة بين سيرة ذاتية للكاتب اليهودي الأمريكي نورمان بوردتز وبين مالكوم إكس أو الحاج مالك شباز، ويوضح أن الفردوس الحقيقي في الدنيا هو الفردوس الروحي. أما الباب الرابع فتناول فيه المرأة الأمريكية بين التاريخ والفردوس، حيث استعرض مسيرة تحرير المرأة الأمريكية وصولا إلى النهاية المأساوية الملهاوية.إن الأستاذ في هذا الكتاب على صغر حجمه يستخدم كل أدواته لتحقيق خلاصه الروحي: النقد الأدبي، والتحليل الماركسي، وبقايا تعاليم التديُّن السوسيولوجي الذي خرج به من دمنهور، وفطرته الإنسانية؛ يستخدمها جميعًا بإخلاصٍ وحرارةٍ بارعين. فلا يرفُض المادية فقط، بل يرفض كُلَّ تجلياتها، وأخطرها: الطوبيا؛ أو الفردوس اﻷرضي كما يُسميها. يرفُض أي خلاصٍ دنيويٍ نهائي يُقوض الإنسان. يرفض أي فردوس براني في هذا العالم؛ فالفردوس الأرضي الحقيقيُّ ليس برانيًّا أبدًا، بل هو فردوس جواني: "الفردوس القلبي"، الذي اكتشفه المسيري مع مالكوم إكس؛ فردوس الإيمان.لقد عَبَرَ عبد الوهاب بهذا الكتاب من الماديةِ إلى الإنسانيةِ والإسلام. فمما ذكره رحمه الله في سيرته؛ أن مالكوم إكس كان دليله للإسلام، ومن يقرأ الفصل الذي عقده الأستاذ عن الحاج مالك الشباز (مالكوم إكس)؛ فسيُدرك كيف كان مالكوم الأمريكي هو مدخل عبد الوهاب العربي إلى الإسلام. وإذا كانت سيرة المسيري الفكرية تتتبع ولادة أفكاره ومنهجه، وكانت سيرته الشعرية ترسم تحولات وجدانه، فإن هذا الكتاب - ربما بغير قصد - يجمع بين السيرة الفكرية والشعرية، في لوحة امتزج فيها الفكر والشعور في لحظة تحول إنساني فذة، فهو كتابٌ كُتب بنور القلب ومداد العقل معا.