أصل هذا الكتاب " السياسة الشرعيّة حالة غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين" رسالة دكتوراه تقدم بها الدكتور أحمد محيي الدين صالح، عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية في بغداد لمواد الفقه وأصوله، ويأتي هذا الكتاب ليعالج النوازل المعاصرة المتعلقة بمسائل السياسة الشرعية في ظل الأوضاع الطارئة التي تعيشها الأمة، فلقد عاشت دولة الإسلام في ظل المنهج الرباني العادل طوال العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين، واستمر هذا المنهج الرباني وتلك الشريعة العادلة تضيء ظلام البشرية بنور العدل والفضيلة والسعادة وانتظام نواحي الحياة بقدر اقتراب البشر منها، وبقي المسلمون يعيشون تحت هذه المظلة الإسلامية حتى تردى بهم الحال بسبب ابتعادهم عن دينهم، وجهلهم به، وابتعادهم عن أصوله وقواعده؛ فدب الوهن والضعف في الأمة في جميع المجالات، وتكالبت عليها الأمم تنهش منها قُطرا قطرا، ولم تستفق الأمة إلا على دوي الطامة الكبرى في بداية القرن العشرين بإنهاء الخلافة واحتلال جميع أو أغلب البلدان الإسلامية ورفع حكم الله واستبداله بالأنظمة الشرقية والغربية، وعلى وقع ذلك استفاق جمع من العلماء والدعاة والشباب وبدأوا العمل على إعادة الإسلام إلى حياة المسلمين، والدعوة إلى الأخذ بمنهج الله ثانية في جميع نواحي الحياة، إلا أنهم جوبهوا بكل صور المحاربة من أذناب المستعمرين. وقد بدأ هؤلاء المسلمون في البحث عن حلول لهذا الواقع وكيفية مواجهة هذا الوضع السياسي متلمسين ذلك في أبواب السياسة الشرعية، لكنهم وجدوا أن جُل الكتب الفقهية تتكلم عن فقه الدولة في فترات التمكين لا الاستضعاف، وباستثناء ما كتبه الجويني في الغياثي من مسائل افتراضية كخلو الزمان عن إمام للمسلمين، فإنهم لم يجدوا من تكلم عن هذا الواقع الطارئ للأمة؛ فبدأت عملية الاجتهاد داخل صفوف الصحوة لاستنباط فقه للسياسة الشرعية في ظل هذه الظروف الطارئة، ولكن مع غياب الاجتهاد الجماعي من قِبل العلماء المعتبرين ظهر الإفراط والتفريط في توصيف هذا الواقع، وقلّت الكتابات التي تبين الأحكام المنضبطة على منهج أهل السنة والجماعة. وقد جاء هذا البحث ليضع لبنة في هذا البناء، محاولا توسيع البحث في هذه المسائل، وقد اعتمد الباحث على تأصيل الواقع ثم الأحكام في مسائله على هذا التأصيل، كما اجتهد في التقريب بين المصطلحات الشرعية والمصطلحات السياسية المعاصرة لتقريب المعاني والدمج بين الأصالة والمعاصرة، وقام بتقسيم البحث على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، فأما التمهيد فجاء في ثلاثة مباحث بين فيه تفصيلا مفردات عنوان البحث موضحا المراد بالسياسة الشرعية، والحكم الإسلامي، ودار المسلمين، وأما الفصل الأول فتكلم فيه عن أثر غياب الحكم الإسلامي في تغير وصف دار الإسلام، وقد اشتمل على ثلاثة مباحث تناولت أقوال العلماء في تحول دار الإسلام، ونماذج تاريخية لغياب حكم إسلامي عن بعض ديار المسلمين وفتاوى العلماء في ذلك، مع مناقشة الأدلة والترجيح. وأما الفصل الثاني: تكلم فيه عن أثر غياب حكم إسلامي على شرعية نظام الحكم، وقد اشتمل على أربعة مباحث تناولت شرعية الحكم في الإسلام، وحكم من حَكم بغير ما أنزل الله، وحكم الحاكم المعين وصور معاصرة، وشرعية الحكم غير الإسلامي. وأما الفصل الثالث: ذكر فيه مسائل تطبيقية من السياسة الشرعية حال غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين، وقد اشتمل على خمسة مباحث تناولت الأحكام الأصلية حال غياب حكم إسلامي بما يشمله من تغيير الحكم غير الإسلامي أو الهجرة، كما تناول الأحكام الاستثنائية، وحكم المشاركة في حكم غير إسلامي، والولاية الشرعية في ظل حكم غير إسلامي، وأحكام القضاء وإقامة الحدود، ثم ختم البحث بخاتمة ذكر فيها أهم النتائج التي توصل إليها الباحث، وقد تقدم البحث فهرس مبسط للمحتويات، وذيل بفهرس المصادر والمراجع والتي جاءت متنوعة وثرية ومعتمدة، لكنها لم تسلم من بعض الأخطاء، كتكرار ذكر تفسير السعدي، وقد اجتهد الباحث التزام منهج أهل السنة والجماعة في بيان الأحكام.