يبحث الكتاب في طرق إثبات النبوة والمعجزة والكرامة، والفرق بينها وبين خوارق العادات، وفق معتقد أهل السنة والجماعة. وفيه ردّ على المخالفين في هذا الباب؛ من أشعرية، ومعتزلة، وفلاسفة، مع ذكر مذاهبهم، وبيان أدلتهم. ويقول شيخ الإسلام عن سبب تأليفه لكتابه: "لا حول ولا قوة إلا بالله! ولو لم يتعلق هذا بالإيمان بالرسول، وبما أخبر به الرسول، واحتجنا إلى أن نُميّز بين الصحيح والفاسد في الأدلة والأصول، لما ورد على هؤلاء من هذه السؤالات، ولم تكن بنا حاجة إلى كشف الأسرار، لكن لما تكلموا في إثبات النبوات صاروا يوردون عليها أسئلة في غاية القوة والظهور، ولا يُجيبون عنها إلا بأجوبة ضعيفة، كما ذكرنا كلامهم، فصار طالب العلم والإيمان والهدى من عندهم لا سيما إذا اعتقد أنهم أنصار الإسلام ونظاره والقائمون ببراهينه وأدلته، إذا عرف حقيقة ما عندهم، لم يجد ما ذكروه يدلّ على ثبوت نبوة الأنبياء، بل وجده يقدح في الأنبياء، ويورث الشك فيهم أو الطعن... فانسد طريق الإيمان والعلم، وانفتح طريق النفاق والجهل، لا سيما على من لم يعرف إلا ما قالوه". وتأتي أهمية الكتاب من كونه من أجمع كتب شيخ الإسلام وأشملها؛ ففيه خلاصة آراء صاحبه وزبدة أفكاره، كونه من أواخر ما صنف رحمه الله. وكعادة أسلوب شيخ الإسلام فقد فصّل فيه القول وأطال النفس، ولم يقتصر على مباحث النبوات، والفروق بين المعجزة والكرامة، وبين ما يظهر على أيدي السحرة والكهان وأمثالهم من خوارق. بل كما هي عادة شيخ الإسلام - رحمه الله، كان يردّ على الخصوم، ويُبيِّن المضائق والمزالق التي أودت بهم إليها أقوالهم الباطلة، ويوضّح المآزق التي أوقعتهم بها أصولهم الهابطة النازلة. فَعَرَضَ أقوال الأشاعرة بالتفصيل، وردّ عليها. واهتمّ حين عَرْضِه لأقوال الأشاعرة، بأقوال الشخصية الثانية في المذهب الأشعري، وهو القاضي أبو بكر الباقلاني، حيث انتقده في كتابه "البيان"، وردّ على أقواله، وناقشه، وبيَّن مجانبتها للصواب، وكرَّ على ما بُنيت عليه هذه الأقوال من قواعد فنسفها، ووضّح لازمها، والنتيجة التي تفضي إليها، محذّرا بذلك منها ومن اعتقادها. وقد نبّه شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى أنّ أقوال أهل البدع التي التزموها، وخالفوا فيها الرسول، سببها ما أصلوه من أصول عقلية قياسيّة مخالفة لأصول الرسول. فكان هدم هذه الأصول هو غايته. لذلك نراه يورد عليها من الأدلة ما يكون سببا في إبطالها، وبيان مجانبتها للصواب، ومخالفتها لأقوال السلف الصالح، ومجانبتها لفهوم ذوي الألباب. وقد تعرض شيخ الإسلام في موضوعات كتابه لمسائل؛ منها: مسألة أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيَّن أصول الدين، وأنّ الأدلة العقلية الصريحة لا تُعارض الأدلة النقلية الصحيحة. وتناول طرق الناس في التمييز بين خوارق العادات، وناقش موقف كلّ فرقة من هذه الخوارق من حيث النفي والإثبات. وتكلم عن محبة الله - تعالى، وموقف الناس منها من جافٍ في إثباتها أو غالٍ. وكذلك الاستدلال بحكمة الله وإرادته على النبوة، والاستدلال بسنته - تعالى - وعادته على ذلك، وردّ - رحمه الله - على من نفى ذلك. وتكلّم عن غنى الله، وردّ على المتكلمين والفلاسفة الذين خالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك. وتكلّم عن العدالة الإلهية، وردّ على من يقول بتعذيب أهل الصلاح، وتنعيم أهل الظلم ردودا واضحة جليّة. وغير ذلك من المباحث المهمة الطريفة الجامعة، التي تناولها الشيخ - رحمه الله - في ثنايا هذا الكتاب ذي البحوث والمسائل النافعة. وكما نعهد من منهج شيخ الإسلام فإنه قد يوجز تارة في الرد على الخصوم، ويُحيل على مؤلفاته الأخرى، بقوله: كما قد بُسط في غير هذا الموضع، أو: قد بسطناه في موضع آخر، أو: وبسطُ هذا له موضع آخر، وهكذا. أو يُطيل النفس في الردّ. وينصر في ردّه المذهب الحقّ والقول الصحيح الذي يعتمد على الكتاب والسنة، مدلّلا له بكلام الله، أو سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أقوال الصحابة والتابعين؛ من أئمة سلف هذه الأمة المهديين. وهو يُكثر - رحمه الله - من تعضيد كلامه بأقوال العلماء، أو كلام المفسرين، أو أقوال النحويين ليُدلّل على صحة ما ذهب إليه. فإذا ذكر مسألة ما، استشهد لها بأقوال العلماء، والمختصين من أهل الفنون؛ فإن كانت في التفسير، ذكر بعض أقوال المفسرين، وإن كانت لغوية أورد كلام علماء اللغة والنحويين، وهكذا.