هو الكتاب الثامن والأخير من سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة، وهي السلسلة المباركة التي صنفها المؤلف استجابة لطلب أحد تلامذته النجباء. وذكر الشيخ أنها تميزت بالحرص على إحياء العقيدة في القلوب باستقائها مباشرة من نصوص الكتاب والسنة لتربي جيلا كالرعيل الأول والذي غيّر الله به مسار التاريخ الإنساني كله. وحيث إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، وقد زل فيه كثير من الخائضين؛ فقد تأخر إصدار هذا الكتاب عن الكتب السالفة له في هذه السلسلة؛ وجلا من المصنف أن ينحرف فيه عن الجادة، الأمر الذي دعاه إلى كثرة الاستشهاد بكلام السلف الصالح، إضافة - ولا شك - إلى ما اعتاده في السلسلة كلها من حشد الكثير من نصوص الكتاب والسنة.وقد قسَّمه المصنف إلى مقدمة وسبعة فصول.أما المقدمة، فقد ذكر فيها خطر هذا الموضوع واستشهد بكلام ابن القيم في زلل كثير من العقلاء فيه، ثم استعرض مجملا موضوعات الكتاب. وفي الفصل الأول "الإيمان بالقدر من أصول الإيمان"؛ ذكر ما يدل على أنه ركن من أركان الإسلام وأفاض في ذكر النصوص والآثار الدالة على ارتباط القدر بصفات الله؛ العلم والمشيئة والخلق، وأن منكره منكر لتلك الصفات.وفي الفصل الثاني "نظرة في تاريخ القدر"، سرد التطور الزمني لمسألة القدر، وكيف كان الأمر مستقرا منذ عهد النبي ﷺ على عدم الخوض والتنازع في القدر، ثم ظهر التكذيب بالقدر على يد رجل من أهل البصرة ثم معبد الجهني والذي أخذ عنه رؤوس الاعتزال مذهبهم وهم القدرية مجوس هذه الأمة، وقد تصدى لهم الأصحاب بقوة وأبانوا ضلال مذهبهم، ثم ظهرت الجبرية وهم شر من القدرية.وفي الفصل الثالث "التعريف بالقضاء والقدر"، ذكر تعريف كل مفردة، ثم تناول مراتب الإيمان بالقدر الأربع؛ العلم والكتابة والمشيئة والخلق، واستدل على كل واحدة منها بجمع كثير من الأدلة النقلية، وختم بالأدلة الدالة على أن القدر لا يمنع العمل.أما الفصل الرابع " حدود نظر العقل في القدر"، فقد ذكر فيه ثلاث قواعد هامة لعلاقة العقل بأمر القدر مستقاة من كلام جمع غفير من علماء السلف، ثم عرج على مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وذكر عندها ثلاثة أنواع من الحكم الحاصلة من الشرائع.وفي الفصل الخامس "المذاهب في القدر"، وهو أطول فصول الكتاب، فصّل ما أجمله في الفصل الثاني من قول القدرية والجبرية، وما يستتبعه ذلك من لوازم قبيحة، وذكر أمثلة من مناظرات أهل السنة لهم. وأورد الشبهات التي قد ترد على بعض الناس؛ ورد عليها بإيجاز، ثم ختم هذا الفصل بذكر مذهب أهل السنة والجماعة وهو وسط بين الطرفين، وذلك من نقول ثلاثة من الأئمة الأعلام؛ اين تيمية والآجري والطحاوي رحمهم الله.ثم في الفصل السادس "أسباب الضلال في القدر"، ذكر أن النظر للقدر نظرة مجتزأة هي التي تؤدي إلى الضلال في هذا الباب بخلاف أهل السنة الذي فرّقوا بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فكانوا أهدى وأحسن سبيلا.وفي الفصل السابع والأخير "ثمار الإيمان بالقدر"، تناول أربعا من أهم الثمار التي يجنيها كل مسلم من الإيمان بهذا الركن العظيم، بحيث يكون قوة فاعلة في الحياة مع سكون القلب وطمأنيته بما يقدره الله بعدئذ.والكتاب على رغم صغر حجمه إلا إنه حاول استيعاب أغلب المباحث العلمية الهامة والتي يجب على المسلم أن يعلمها بحيث لا تنطلي عليه شبهات المرجفين ولا تزيين المبطلين لا سيما في الأزمان المعاصرة، والتي كانت امتدادا للمذهبين الضالَين في أمر القدر، مما مكّن الأعداء من رقابهم واستباحوا أرضهم وعرضهم بهذه العقيدة الفاسدة. ويمتاز بالسهولة واليسر والإيجاز وكذا حسن التقسيم والترتيب. حيث يعدد النقاط والقواعد الهامة بحيث تكون معتصَما لكل مسلم يحفظه ويرجع إليه كلما تاه في غياهب ظلمات الضلال.ويمتاز المؤلف باقتفائه منهج أهل السنة، ويكثر النقل عن علمائهم الأعلام، لا سيما ابن تيمية وابن القيم وغيرهم ممن عُدت عباراتهم مُثُلا يهتدى بها. ويقتصر المصنف في التخريج على العزو المختصر إلى كتب السنة مع إيراد تصحيح الأئمة وتضعيفهم للحديث، وقد أكثر من الاستدلال من الصحيحين أو أحدهما. وفي الهوامش يذكر تعقيبات هامة ومفيدة. والكتاب مناسب للمبتدئين، وفيه الكفاية لمن يبتغي معرفة ما لا يسعه جهله من هذا الركن العظيم.