السياسة الشرعية حالة غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين
أحمد محيي الدين صالح
السياسة الشرعية حالة غياب حكم إسلامي عن ديار المسلمين
نبذة عن الكتاب

أصل هذا الكتاب "النظام السياسي الإسلامي مقارنًا بالدولة القانونية – دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة" رسالة دكتوراه تقدم بها الأستاذ الدكتور منير حميد البياتي، وهو أستاذ متخصص في علوم الشريعة والقانون، وأهمية هذا الكتاب لا تقتصر على المتخصصين في الدراسات الشرعية المقارنة بالقانون والمعنيين بالدراسات الدستورية فحسب، بل تتعداهم إلى طوائف المثقفين كافة؛ لأنه ييسر للمرء الإلمام بجانب من المعرفة قد يخفى على الكثيرين، كما أنه يزيد المثقف اعتزازا بتراثه وتبصرة بمفهوم الدولة الشرعية ومجال مشاركة الشعب في ممارسة السلطة، كما تأتي أهميته أيضا للمؤسسات المشرفة على الثقافة الفقهية والقانونية والاجتماعية أو المعنية بها، كوزارة التعليم العالي والبحث، وكوزارتي العدل والأوقاف، وكالكليات والمعاهد المعنية بالدراسات الإنسانية. وقد أفصح الباحث عن باعثه لخوض غمار هذا الموضوع؛ حيث أشار إلى أن فقهاء المسلمين العظام قد قدموا دراسات متعمقة في هذا الميدان، أمثال الماوردي وابن خلدون وابن تيمية وسواهم كثير، إلا أن بعضا من هؤلاء – كالماوردي مثلا – كان متأثرا إلى حد ما بأوضاع عصره ولم يكن ليمثل الصورة النهائية للفقه الدستوري الإسلامي أو النظام السياسي الإسلامي، بمعنى أن دراسات بعضهم كانت تعالج السياسة الواقعية في عصرهم مبررَّة بسندها من نصوص الإسلام لا سياسة الإسلام نفسه في صورتها المثلى؛ فاحتاج الأمر إلى دراسات إسلامية دستورية جديدة تصوغ من اجتهادات الفقهاء القديمة، ومن الاستنباط الجديد من مصادر الأحكام بما يلائم العصر الحاضر، مزيجا ساميا ومتقدما على النظم الدستورية الحديثة. وتأسيسا على ذلك فإن المجال لا يزال واسعا أمام الفقهاء المحدثين والباحثين وبخاصة من جمع منهم بين الثقافتين الشرعية والقانونية للبحث في النظام السياسي الإسلامي، ويرجو الكاتب أن يكون قد أسهم في خدمة هذا الجانب من الفقه الإسلامي - وهو فقه الدولة في الإسلام - والنهوض به والإسهام في نقله من اللغة الاصطلاحية القديمة ومن مصادره المتناثرة إلى اللغة الدستورية الحديثة، وهذا الموضوع يستحق بذل الجهد المستطاع من أجل تجليته وإيضاحه، رجاء أن ينقشع ذلك الظلام الضارب أطنابه في فكر بعض المستشرقين الذين وصفوا النظام السياسي الإسلامي بالنظام المستبد المطلق، ورجاء أن تلجم أفواه أعلنت سفها أن الإسلام ما جاء بنظام سياسي أصلا. وقد قسّم الكاتب موضوع البحث إلى مقدمة وقسمين وفصل ختامي ثم نتائج البحث. تناول في المقدمة: التعريف بالدولة القانونية ونشأتها مبينًا التطور التاريخي باتجاه دولة القانون ومبدأ المشروعية، ودور الإسلام المتفرد في ذلك. وتناول في القسم الأول: مقومات الدولة القانونية في الفقه الدستوري الحديث موجزة، وفي النظام السياسي الإسلامي مفصّلة؛ فاشتمل هذا القسم على أربعة أبواب تضمنت – سوى الدراسة القانونية – دراسة شرعية تفصيلية لوجود الدستور في النظام السياسي الإسلامي، ومصادره، ومسائله، وتعديله، كما تناول تدرج القواعد القانونية أو الأحكام الشرعية في النظام السياسي الإسلامي، وخضوع الإدارة لقانون الشريعة في النظام الإسلامي وضمانات ذلك. وختم ذلك بالكلام عن تشريع الحقوق والحريات الفردية والاجتماعية في النظام السياسي الإسلامي، مع بيانٍ لأساسها الفكري، وخصائصها الفريدة، وتفاصيل قائمة الحقوق والحريات التي جاء بها الإسلام. وتناول في القسم الثاني: ضمانات تحقيق الدولة القانونية في الفقه الدستوري الحديث موجزة، وفي النظام السياسي الإسلامي مفصّلة، فاشتمل هذا القسم على ثلاثة أبواب تضمنت دراسة شرعية تفصيلية لمركز السلطات الثلاث ووظائفها في النظام الإسلامي، وقد بحث فيه الهيئة التشريعية في الإسلام ممثلة في مجلس الشورى، كما تناول السلطة التنفيذية في الإسلام ممثلة في رئاسة الدولة، والسلطة القضائية في الإسلام مع بيان ولايتها وتبادل الرقابة مع غيرها. ثم تناول تنظيم الرقابة القضائية في النظام السياسي الإسلامي، وقد بحث فيه في القضاء الإسلامي وتطوره، ثم رقابته على أعمال الإدارة، والرقابة على دستورية القوانين في الإسلام، ثم رقابة قضاء المظالم، ثم استخلص منه ما شرَعه الإسلام من ضمانات فريدة تحقق نزاهة القضاء الإسلامي. كما تناول تنظيم الحكم بطريقة ديمقراطية، وسبْق الإسلام إلى تقرير مبدأ اختيار الحاكم، ومراقبته، وعزله، وبحث من خلاله في سلطة الأمة في اختيار الحاكم ومجلس الشورى، مع حق الترشيح وحق الانتخاب، وحق الأمة في ممارسة السلطة مباشرة، وبطريق التمثيل، ثم سلطة الأمة في مراقبة الحاكم وتقويمه، وحقها في عزله في النظام الإسلامي وأساس ذلك الحق. وأخيرا خصص فصلا ختاميا للضمانات الخاصة التي انفرد بها النظام الإسلامي وحده تُظهر تفوق النظام السياسي الإسلامي على الصورة المثلى للدولة الحديثة، وهي، أولا: تقرير مبدأ ثنائية المسؤولية في المجتمع الإسلامي. ثانيا: الصفة الدينية للقانون الإسلامي ونتائجها. ثالثا: وجود الأنظمة الإسلامية الـمُصلحة للفرد والجماعة وأشخاص السلطات الحاكمة. ثم سجل أهم النتائج التي توصل إليها. وقد أشار الباحث إلى المنهجية التي التزمها في البحث؛ حيث جعل البحث أولا فيما انتهى إليه علماء القانون عن الدولة القانونية في كل باب أو فصل أو مبحث من الرسالة ثم أتبع ذلك بالبحث فيما انتهى إليه علماء المسلمين في ذلك، وغالبا ما ينتقي من أقوال الفقهاء ما يترجح له داعما إياه بالدليل والبرهان معتبرا إياه رأي الفقه الدستوري الإسلامي الراجح في مقابل الفقه الدستوري الحديث ما دام يمثل اجتهادا صحيحا وفق أصول الاجتهاد وإن كان ليس هو المذهب الوحيد في الفقه الدستوري الإسلامي. كما أن الروح التي تسود أجزاء الرسالة هي روح البحث عن الحقيقة، فالكتابة في الشريعة ليست ككل الكتابات؛ إذ هي تستدعي أمانة تامة في عرض الشريعة وأحكامها كما هي لا كما يهوى الناس؛ لأن الكتابة فيها دين يحاسب عليه المرء يوم القيامة، وصولا في ذلك إلى الحقيقة واعتقادا من أن الشريعة تستمد كمالها وسموها وجودتها وصلاحيتها من ذاتها وجوهرها ومُشرعها، فليس يرفعها مدح المادحين ولا يضيرها قدح القادحين. ومن ثم فقد حاول الباحث رسم الصورة المثلى للدولة القانونية في النظام السياسي الإسلامي من خلال نصوص الكتاب، والسنة، والسوابق الدستورية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والراشدين، وشرح العلماء لكل ذلك، وذلك هو المنهج السديد في البحث العلمي؛ لأن الصورة المثلى لأي نظام إنما تؤخذ من النصوص التي تقرره، ومن التطبيقات الصحيحة لتلك النصوص، لا من الانحرافات عنه، فالانحراف لا ينهض حجة على التشريع، والتشريع الإسلامي الذي يقرر النظام السياسي الإسلامي حجة على التاريخ وعلى الانحراف في التطبيق وليس العكس، وهذا المنهج العلمي الصحيح في البحث هو الذي نأى عنه بعض المستشرقين الذين استخرجوا النظام السياسي الإسلامي من التاريخ بعيدا عن نظرية الإسلام وتشريعه فصدرت عنهم مجازفات في وصف النظام السياسي الإسلامي هي غاية في الجهل والخطأ. وتأسيسا على ذلك فقد اعتنى بذكر الوقائع التاريخية والسوابق الدستورية التي تصلح للاستدلال في كل موضع بحسبه معتنيا بالدراسة للتشريع، والتحليل، والنقد، والاستنباط، أكثر من اعتنائه بسرد الوقائع التاريخية. وعلى الرغم من التوثيق الجيد للآيات والأحاديث، إلا أن تخريج الأحاديث قد خلا من كلام علماء الحديث عليها من جهة الصحة والضعف. والكتاب في ختامه قائمة بالمراجع المشار إليها وفهرس تفصيلي بالموضوعات.