الكتاب قصد به مؤلفه العراقي - أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة بغداد - أن يجمع التاريخ الأندلسي في مجلد واحد لأول مرة. وهو كتاب يعتمد المنهج العلمي ويصلح لأن يكون مادة للتدريس في الجامعات. وقد اتخذ كاتبنا من المؤلفات الأندلسية المتوفرة - مخطوطة ومطبوعة - المرجع الأول له في هذه الدراسة، اعتبارا واختبارا، بتتبع مستمر وعناية مثابرة، خلال تدريس هذه المادة منذ 1966 في جامعتي بغداد والرياض، مع العناية باعتبار طبيعة هذا التاريخ الإسلامي وأن أمة الإسلام أمة واحدة عقيدة وعبادة تشريعا ووجهة وهو الموحد المتفرد دوما. وقد زودت هذه الدراسة بقوائم النسب الكثيرة والخرائط وبعض الصور التاريخية والوثائق.وقد قدم الكاتب لتاريخ الأندلس بمدخل عام، ذكر فيه حالة أوربا قبل الفتح الإسلامي للأندلس وبعده، وحالة أسبانيا قبل الفتح الإسلامي، وجغرافية شبه الجزيرة الأندلسية. ثم قسم الكاتب التاريخ الأندلسي إلى ثمانية فصول هي عهود دولة الأندلس: عصر الفتح، وهو العصر الذي دخلت فيه جيوش طارق بن زياد وموسى بن نصير إلى الأندلس؛ عهد الولاة، وهو العصر الذي تلا الفتح، واستمر إلى نهاية الدولة الأموية؛ عهد الإمارة، وهو العصر الذي بدأ مع دخول عبد الرحمن الداخل الأموي إلى الأندلس، حيث استقل بها إداريًا عن الدولة العباسية؛ عهد الخلافة، وقد بدأ هذا العصر حين أعلن عبد الرحمن الناصر نفسه خليفة، ويعتبر عصر الذروة في التاريخ الأندلسي؛ عهد ملوك الطوائف، وبدأ بعد سقوط خلافة الأمويين في الأندلس، وهذا العصر هو بداية عصور الضعف في الأندلس؛ عهد المرابطين (الانتعاش الأول)، وبدأ مع دخول يوسف بن تاشفين إلى شبه الجزيرة وقضائه على ملوك الطوائف وتثبيت دعائم الأندلس؛ عهد الموحدين (الانتعاش الثاني)، بعد نهاية دولة المرابطين؛ مملكة غرناطة (الأندلس الصغرى)، وهو آخر صفحات التاريخ الأندلسي.. وتلاه السقوط.وقد جاءت الفصول الأخيرة مختصرة بعض الشيء، لا سيما مملكة غرناطة.ويتميز أسلوب الكاتب بغزارة المادة العلمية وقدرته على التحليل والاستنباط، في أسلوب سهل مختصر. وإذا كان المؤرخ لا بد له من رؤية وهوية ينتمي إليها وينطلق منها في دراسته، فإننا نستشعر النفس الإسلامي الواضح في هذا الكتاب. بل هو يرى أن الفتح هو فتح عقيدة وأن الفتوحات الإسلامية يجب أن تدرس في ضوء فهم مقومات الانتصار لا مجرد العمل العسكري والجانب الحربي فيها، لذا فإن دراسة الفتوحات محتاجة إلى البحث عن أعمال المسلمين دعاة وفاتحين خلال جهودهم ومجرى حياتهم في الدعوة إلى الإسلام ومسلكهم الإنساني الرفيع والتزامهم الكريم في المعتاد من تصرفهم، وذلك قوتم انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه. وبالرغم من أن المؤلف قد أثنى على جهاد المرابطين - وهم أهل سنة - وبلائهم في الأندلس، إلا أنه في الوقت ذاته يصف الموحدين - وهم معتزلة - بصفاء العقيدة! وهو يتابع في ذلك المؤرخين الذين لا يفرقون بين أهل السنة وغيرهم من فرق المسلمين المنحرفة. ولا يفوتنا أن نذكر أخيرا أن الكتاب يحتفظ بقيمته التاريخية حيث ألف في وقت قلت فيه المؤلفات الحديثة حول هذه الصفحة من التاريخ.