هذا الكتاب القيم هو اختصار لتفسير العلامة ابن كثير، أعده كل من صلاح محمد عرفات ومحمد بن عبد الله الشنقيطي وخالد بن فوزي عبد الحميد، تحت إشراف العلامة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء. ويعرف تفسير القرآن العظيم للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير (المتوفى 774 هـ) بأنه من أشهر تفاسير القرآن الكريم وأضبطها. ويُعد من أشهر ما دون في موضوع التفسير بالمأثور أو تفسير القرآن بالقرآن، فيعتمد على تفسير القرآن بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، وكذلك يذكر الأحاديث والآثار المسندة إلى أصحابها، وأقوال الصحابة والتابعين، كما اهتم باللغة العربية وعلومها، واهتم بالأسانيد ونقدها، واهتم بذكر القراءات المختلفة وأسباب نزول الآيات، كما يشتمل على الأحكام الفقهية، ويعتني بالأحاديث النبوية. ويشتهر بأنه يخلو من الإسرائيليات تقريبًا، ويضعه البعض بعد تفسير الطبري في المنزلة، ويفضله آخرون عليه. ونظرا لما غلب على الكتاب من الصفة الحديثية، إذ جرى المؤلف رحمه الله على سوق الأسانيد وجمع الروايات ونقدها والحكم عليها مع التعليل والترجيح، وهو جهد تجلى فيه مقام هذا الإمام ومنزلته، إلا أن ذلك كان سببا في طول الكتاب وكبر حجمه مما كان مانعا لبعض ذوي الاهتمام والمطالعة والرغبة في اتساع المعرفة في معاني كتاب الله عز وجل من الاستفادة من هذا الكتاب العظيم، ولا يتسنى للكثيرين من غير المتخصصين الاستفادة منه لكثرة ما فيه من المباحث التخصصية والصناعة الحديثية المتمثلة في سرد الأسانيد وبيان العلل والحكم على الرجال وغير ذلك مما يهتم به طلاب العلم المتخصصون. ولأن وجود هذه المباحث المتعمقة المتخصصة في التفسير يجعل غير المتخصصين لا يصلون إلى خلاصة التفسير الذي يتوقون إليها، فقد أقدمت هذه اللجنة المكونة من خيار الشيوخ والأئمة على تحقيق هذا العمل واختصاره وإخراجه للناس في صورة مختصرة ميسرة مع الحرص فيه على الالتزام بعبارة الحافظ ابن كثير رحمه الله. والكتاب يتكون من مجلد واحد، ضم تفسير القرآن كاملا على نفس ترتيب المصحف الشريف، وفي البداية تقع مقدمة لمعالي الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد المشرف على اللجنة، ثم تقديم اللجنة التي قامت باختصار وتنقيح الكتاب، ثم نبذة عن الحافظ ابن كثير وكتابه، ثم مقدمة الإمام ابن كثير، وتبع ذلك فصل في فضائل القرآن. والمنهج الذي سرت عليه اللجنة في اختصارها يتمثل فيما يلي: أولا؛ حذف الأسانيد التي ذكرها المؤلف في كتابه، وقد ترتب على ذلك تغيير في أول كلمة، فإن الحافظ ابن كثير عند إيراده للإسناد يقول: قال فلان، فتم تغييره ب (روى فلان أو أخرج فلان). ثانيا، حذف الأحاديث الضعيفة التي نص الشيخ على تضعيفها أو نص الأئمة على ذلك أو ظهر للجنة عدم صلاحيتها للحجية، وأما الأحاديث التي صححها الشيخ أو نص على تصحيحها بعض أهل العلم فقد أبقتها اللجنة مع حذف المكرر، مع إثبات من أخرجها في نهاية كل منها إن لم يخرجها المصنف، مع الحكم عليها، وقد لا يصل الحديث إلى درجة الاحتجاج، لكن الشيخ أورده تفسيرا ولم يورد غيره، فهذا يبقونه مع التنبيه على ضعفه، وهو قليل. وأما الأحاديث التي أوردها ابن كثير بطولها فإن لم تكن لها فائدة مباشرة في التفسير فإنهم يقتصرون على إيراد محل الشاهد منها. ثالثا؛ نص الكتاب كله من كلام ابن كثير، وإذ احتاجت اللجنة إلى إثبات عبارات للربط فإنه يتم وضعها بين قوسين. رابعا؛ كان الحافظ ابن كثير يعتمد قراءة غير قراءة حفص، ويغلب الظن أنها قراءة أبي عمرو فإنه كثيرا ما يفسر عليها ثم يذكر القراءة الأخرى، وهذا ما لم ينتبه له العديد ممن اختصروا التفسير، فقاموا بحذف الرواية الأخرى وإثبات الأولى فتكون القراءة التي حذفت هي قراءة حفص، وذلك مما راعته اللجنة في تفسيرها. خامسا؛ لم تحذف الأقوال الفقهية التي أوردها الشيخ، إلا أنهم أحيانا يحذفون الأقوال الضعيفة ويثبتون الراجح بدليله. سادسا؛ قامت اللجنة بتصحيح الأخطاء الإملائية أو أي أوهام في النُسخ التي بين أيديهم ويضعونه بين قوسين، وهذا قليل. سابعا؛ الابقاء على بعض الأبيات الشعرية التي يستدل بها الحافظ وحذف أكثرها مع الإبقاء على المعنى اللغوي الذي يخدم التفسير مع عزوه لقائله.