التوضيح في شرح التنقيح "شرح تنقيح الفصول للقرافي"
التوضيح في شرح التنقيح "شرح تنقيح الفصول للقرافي"
نبذة عن الكتاب

هذا الكتاب هو شرح لكتاب العلامة شهاب الدين القرافي "شرح تنقيح الفصول في علم الأصول". والشارح لكتاب القرافي هو العلامة أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن موسى القيرواني المالكي المعروف ب حُلولو، وهو فقيه أصولي وقاضي طرابلس لمدة من الزمن وكان يُدرس بها، ثم عاد إلى تونس وتولى مشيخة عدد من المدارس العلمية، وله مصنفات عديدة في أصول الفقه. وقد شرح "شرح تنقيح الفصول" استدراكا عليه من جميع جوانبه، سواء كان ذلك في التعريفات أو نسبة الأقوال والمذاهب أو في تخريج الفروع ونحو ذلك. وشرح تنقيح الفصول هو شرح للعلامة الفقيه الأصولي المالكي شهاب الدين القرافي، أحد ثلاثة انعقد الإجماع في عصره على أفضليتهم قاطبة في الديار المصرية، وعد ضمن طبقة من كان بمصر من الأئمة المجتهدين، وهو شرح له على المتن الذي ألفه باسم “تنقيح الفصول في علم الأصول” أو “تنقيح الفصول في اختصار المحصول “.وقد اعتمد القرافي في هذا المختصر الأصولي على أخذ جملة كتاب “الإفادة” للقاضي عبد الوهاب، وكتاب “الإشارة” للباجي، و”مقدمة” ابن القصار في أصول الفقه، وكتاب “المحصول” للرازي. وهذا ظاهر جدا في الكتاب؛ فإنه زاخر بآراء المالكية الأصولية، وهذا غير موجود في المحصول. والكتاب قائم بنفسه، مستقل بذاته، يستحق أن يسمى “تنقيح الفصول في علم الأصول”، إذ هو في أصله خلاصة لما ورد في الكتب الأربعة المتقدمة، بالإضافة إلى ما ضم إليها من مباحث وفوائد أصولية قد لا توجد في غيره، لذا فإن تسميته بـ”اختصار المحصول” فيها تجوز على أساس أنه التزم ترتيب وتبويب المحصول، مع نقل كثير من عباراته - ولو بالمعنى -، وإلا فالكتاب بمباحثه وفوائده ومادته يأخذ صبغة خاصة وصفة استقلالية تجعلنا لا نستطيع أن نستغني عنه بكتاب. وقد رام القرافي أن يكون “التنقيح” مقدمة لكتابه الكبير “الذخيرة في الفقه”. فالكتاب إذًا متن مختصر في أصول الفقه، لخص فيه القرافي مسائل هذا الفن، فأتى فيه على أبواب الأصول جميعها، ولم يفته إلا اليسير منها، في مائة فصل وفصلين منظومة تحت عشرين بابا. ويمكن في الجملة تثليث الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: الأول يشتمل على التعريفات والحدود والاصطلاحات، والأحكام التكليفية والوضعية التي يفتقر إليها في أصول الفقه، وهذه موضوعات تعتبر بمثابة الإرهاصة والتقْدِمة لدراسة الأصول. والثاني: يشمل دلالات الألفاظ من الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبيّن، والمفاهيم.. وهذه الموضوعات تعتبر ركيزة العمل الأصولي، فالأصوليون خاضوا معترك الدلالات باعتبارها طرق استثمار أدلة الأحكام الشرعية، وميدان الاجتهاد البياني. وأما القسم الثالث: فقد حفل بأهم موضوعات الأصول، التي هي أساس استنباط الأحكام الشرعية، وينبوع التفاريع الفقهية، فاشتمل على أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، والنسخ، والإجماع، والخبر، والقياس.. وهذه المواد تشغل حيزا كبيرا من كتب الأصول، بل هي لبه وأساسه. وقد قال المؤلف في مقدمته: (أما بعد فإن كتاب “تنقيح الفصول في اختصار المحصول” كان قد يسره الله علي ليكون مقدمة أول كتاب الذخيرة في الفقه. ثم رأيت جماعة كثيرة رغبوا في إفراده عنها واشتغلوا به، فلما كثر المشتغلون به رأيت أن أضع له شرحا يكون عونا لهم على فهمه وتحصيله، وأبين فيه مقاصد لا تكاد تُعْلم إلا من جهتي، لأني لم أنقلها عن غيري، وفيها غموض..).والكتاب ذو قيمة علمية رفيعة، فمادته عميقة غزيرة، ومصادره أصيلة وفيرة، حوى نقولات نادرة بعضها مفقود، ككتاب الإفادة وكتاب الملخص كليهما للقاضي عبد الوهاب البغدادي، وكتاب الأوسط لابن برهان، وشرح البرهان للمازري، والجدل للحصكفي، وغيرها. إلى كونه مرجعا في أصول المالكية، التي شهد لها ابن تيمية رحمه الله قائلا: (ثم من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد، وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما..).ويتميز منهج القرافي بحرصه على جمع الأقوال والآراء والمذاهب في المسألة، وعزو كل نقل لقائله، وسعيه لإبراز المذهب المالكي في المسائل لإظهار شرفه بين المذاهب، وتحريره المسائل وتقريرها وفق منهج علمي سليم، يقوم على ذكر الآراء وتحرير النـزاع، ثم ذكر أدلة كل فريق في تجرد وموضوعية خالية عن التعصب، ثم مناقشة الأدلة وتفنيد أدلة الخصم حتى يخلص إلى القول الفصل فيها مستخدما أسلوب تقرير القاعدة في الحجاج. وهو حريص على إيراد الإشكالات والسؤالات التي قد تنشأ في خاطر القارئ، ثم يجيب عنها إن أسعفه الجواب، وإلا يتركها كما هي إن استبد الإشكال في نفسه، وعجز عن الجواب عنه. وهو أيضا حريص على إثبات الفروقات بين المسائل المتشابهة كلما أمكنه ذلك. وله عناية فائقة بالحدود والتعريفات. وقد تميز القرافي بانفرادات في مسائل أصولية بارزة، وبتحريرات نفيسة ومناقشات وتقريرات وترجيحات، تشهد بذكائه وعبقريته.وقد امتاز الكتاب بحسن التبويب والترتيب، والتقسيم والتنظيم، والتفنن في إيراد السؤال والإشكال، والجواب عنه في أحسن مقال، كما حشد القرافي كتابه بالفروق بين المسائل، والتمييز بين المتشابه والمتماثل، واحتوائه على النكت والفوائد، فلا جرم أن أضحى الكتاب معينا نهل منه الأصوليون، كالطوفي في شرح مختصر الروضة، والسبكي وابنه في الإبهاج في شرح المنهاج، والعلائي في كتبه، والإسنوي في منهاج السول، وابن جزي في تقريب الوصول، والزركشي في البحر المحيط وتشنيف المسامع، وحلولو المالكي في الضياء اللامع، وابن أمير الحاج في التقرير والتحبير، وابن النجار في شرح الكوكب المنير، في آخرين. كما اتسم الشرح بامتزاجه بالمتن حتى غدا الكتاب (متنا وشرحا) يشكل وحدة واحدة، وعروة وثقى لا انفصام لها. كما يوجد تشابه بين مسائل الكتاب ومسائل “نفائس الأصول في شرح المحصول”، وهذا أمر متوقع وروده؛ فكتاب النفائس شرح موسوعي لكتاب المحصول للإمام الرازي، أكثر فيـه القرافي من إيراد الأسئلة والإشكالات، واستمد مادة شرحه مما يربو عن ثلاثين تصنيفا في أصول الفقه. وقد قام بتحقيق الكتاب ثلاثة باحثين من جامعة أم القرى، وهم سعيد بن صالح بن عفيف (القسم الأول)، وحسن إبراهيم خلوفة طياش (القسم الثاني)، وناصر بن علي بن ناصر الغامدي (القسم الثالث). والنسخ المحققة - وهي رسائل علمية - كل منها يتضمن قسما دراسيا يدرس الكتاب من جميع جوانبه، ثم القسم التحقيقي المتضمن نص الكتاب.ويتميز شرح حلولو بسهولة أسلوبه ووضوح عبارته مع العناية بنقل مذاهب العلماء والمناقشة بشيء من الاختصار، إلى جانب كون المؤلف للمتن وشارحه كلاهما من المالكية. إضافة إلى ذلك الاعتناء بتخريج الفروع الفقهية عند المالكية على القواعد الأصولية، خاصة أن حلولو كان من أشهر فقهاء المالكية المحققين في زمانه. إلى جانب التدقيق في تراجم أشهر المسائل الأصولية وصياغتها بعبارات محررة. وأصل هذه الطبعة التي بين يدينا هو رسالتان علميتان، الأولى من إعداد الشيخ الدكتور بلقاسم الزبيدي وهي في التحقيق من أول الكتاب إلى نهاية الباب الخامس، وتحقيق الشيخ الدكتور غازي العتيبي كان من الباب السابع وإلى آخر الكتاب، ثم أتم الشيخ الدكتور عبد الوهاب الأحمدي تحقيق الباب السادس في بحث محكم أضيف لمادة الكتاب.