بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
الكاساني
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
نبذة عن الكتاب

كتاب "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للعلامة علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، الملقب بملك العلماء، والمشهور أن هذا الكتاب هو شرح لكتاب "تحفة الفقهاء" للإمام علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي وهو شيخ الكاساني؛ إذ أن الكاساني لما أكمل كتابه البدائع عرضه على شيخه فاستحسنه وزوجه ابنته العالمة الفقيهة السيدة فاطمة وجعل مهرها هذا الكتاب، حتى شاع قولهم: شرح تحفته وتزوج ابنته، ولكن المدقق في كتاب البدائع يجد أن الكاساني لم يلتزم ترتيب التحفة لا إجمالا ولا تفصيلا من حيث كتبه وأبوابه وفصوله، ولكنه رتبه ترتيبا جديدا، وتصرف في العناوين بالتقديم والتأخير، فمثلا أثبت صاحب التحفة مسائل النكاح بين مسائل البيوع والإجارة! بينما أثبت صاحب البدائع مسائل النكاح بعد العبادات وذكر مسائل الإجارة قبل البيوع، كما أضاف عددا من العناوين إذ جعل الاعتكاف كتابا مستقلا عن الصوم، كما أن الكاساني لم يتناول الكتاب بالشرح على غرار عادة الشراح بأن يذكر فقرة من المتن ثم يتبعها بالشرح، ولكن القارئ سيجد التحفة متضمنة بلفظها في كتاب البدائع ولكن بترتيب آخر، ويضاف إلى ذلك أن الكاساني قد صرح في مقدمته للكتاب أنه اقتدى بشيخه في العناية بالترتيب، ولكن لم يذكر أنه يشرح كتاب التحفة وإن كانت قد أنارت له طريقه ورسمت له منهاجه، كما أفصح أيضا عن غرضه من الكتاب بقوله: (الغرض الأصلي والمقصود الكلي من التصنيف في كل فن من فنون العلم هو تيسير سبيل الوصول إلى المطلوب على الطالبين، وتقريبه إلى أفهام المقتبسين، ولا يلتئم هذا المراد إلا بترتيب تقتضيه الصناعة، وتوجبه الحكمة، وهو التصفح عن أقسام المسائل، وفصولها، وتخريجها على قواعدها وأصولها؛ ليكون أسرع فهما وأسهل ضبطا وأيسر حفظا، فتكثر الفائدة وتتوفر العائدة، فصرفت العناية إلى ذلك، وجمعت في كتابي هذا جملا من الفقه مرتبة بالترتيب الصناعي والتأليف الحكمي الذي ترتضيه أرباب الصنعة وتخضع له أهل الحكمة، مع إيراد الدلائل الجلية والنكت القوية، بعبارات محكمة المباني مؤدية المعاني، وسميته "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"؛ إذ هي صنعة بديعة وترتيب عجيب وترصيف غريب؛ لتكون التسمية موافقة للمسمى والصورة مطابقة للمعنى). والإمام الكاساني قد افتتح كتابه بأبواب العبادات كما هو عادة الفقهاء ثم أتبع ذلك بمسائل النكاح والفراق والأيمان وما يلحق ذلك، ثم ذكر أحكام العتق وما يلحقه، ثم ذكر أحكام المعاملات مفتتحا بالإجارة والاستصناع ومختتما بالعارية، ثم تناول أحكام الوقف، ثم تكلم عن أحكام الدعوى والشهادة، كما تناول أحكام القسمة والحدود والسير، ثم الغصب والحجر والإكراه والمأذون، ثم الإقرار والجنايات والخنثى والوصايا، وختم بالقرض. ومنهج الكاساني يقارب منهج شمس الأئمة السرخسي في المبسوط؛ إذ نجده مهتم بذكر الخلاف ومعني بالاستدلال، ولكن لا يشير إلى درجة الأحاديث والآثار، كما لا يعزوها إلى مصادرها إلا نادرا. وعند ذكره للخلاف فإنه يستهل المسألة غالبا بالرأي المختار عنده ثم يذكر قول المخالف ثم يستدل للمخالف ثم يستدل للقول المختار مصدر ذلك بقوله "ولنا"، وهذا هو الغالب وأن لم يلتزمه في جميع المسائل. وقد الكاساني توسع في ذكر الخلاف، فذكر الخلاف العالي؛ حيث أتى بأقوال الشافعي ومالك في الكثير من المسائل، وهو في الغالب يذكر رأي كل من أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني ورأي زفر بن الهذيل وكذلك الشافعي ويبين وجه قول كل منهم ودليله، إلا أنه لا يخرج في ترجيحه عن المذهب، وقد تميز الكتاب باللغة السهلة، وإيراد الشواهد الحديثية لما يورده من الأحكام الفقهية. وقد أثنى على الكتاب الكثير من العلماء والمحققين، ومنهم ابن عابدين إذ يقول: (هذا الكتاب جليل الشأن، لم أر له نظيرا في كتبنا). وتعد النسخة التي بين أيدينا أفضل النسخ المحققة، وقد أورد المحققان مقدمة للتحقيق في قرابة تسعين صفحة، ذكرا فيها كلاما مطولا عن التشريع الإٍسلامي، ثم طبقات الفقهاء في المذهب الحنفي، ومراتب الكتب في الفقه الحنفي، ثم تكلما عن أبي حنيفة ومنهاجه وانتشار مذهبه، ثم ذكرا ترجمة الإمام أبي حنيفة، ثم ترجمة صاحب البدائع وكتابه، ثم وصفا الأصول الخطية للكتاب التي اعتمدا عليها، وقد قاما بتخريج الآيات والأحاديث والآثار بالإضافة إلى التعليق على بعض المسائل الفقهية والأصولية ووضع التراجم، ولكن خلا التحقيق من الفهارس العلمية والكشافات التي لا يستغنى عنها الطالب أو الباحث، ومن جهة أخرى فإن تراجم البلدان لا تتسم بالمعاصرة، وذلك مثل قولهما: (كاسان، وهي بلدة وراء الشاش)، ولعل القارئ المعاصر لا يدري أين الشاش هذه.