هذا الكتاب القيم من تأليف العلامة محمد قطب رحمه الله، وقد كان شديد التعلق بكتاب الله عز وجل من صغره، منذ بدأ يقرؤه بنفسه أول مرة في التاسعة من عمره، وكانت تستوقفه قصص الأنبياء وقصة موسى عليه السلام بالأخص، وظل هذا التعلق والحب لكتاب الله يكبر في قلبه يوما بعد يوم، وبإدراك مختلف وفهم أعمق لإعجاز القرآن الكريم وإحكامه، من الناحيتين الروحية والفنية، فكان ملازما للقرآن في جميع مراحل حياته بجميع أطواره، لطالما يرجع إلى كتاب الله يتأمله ويتدبره، وأعد هذا الكتاب ليحتوي على مفاتيح تعين القارئ على تدبر كلام الله، من خلاصة تجربة المؤلف وتعايشه مع القرآن طيلة حياته. ويتكون الكتاب بعد المقدمة من قسمين أساسيين وهما المدني والمكي من القرآن، فيذكر الفرق بينهما وكيف أن المكي من القرآن يهتم بالعقيدة والإيمان بالله واليوم الآخر والإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره، وقصص الأنبياء، وأخلاقيات لا إله إلا الله، وأن المدني يهتم بالأحكام الشرعية. وذكر ثلاثة نماذج من السور المكية، وهي سورة الرعد وسورة لقمان وسورة فاطر، ثم أضاف فصلا في ظاهرة التكرار في القرآن، ثم شرع في القرآن في العهد المدني، وذكر ثلاثة نماذج من القرآن المدني أيضا قام بدراستها وهي سورة البقرة وآل عمران والنساء. وختم بفصل بعنوان كيف نقرأ القرآن. والكتاب سهل الأسلوب وسلسل اللغة، يعكس فيه المؤلف أثر القرآن عليه في جميع أطوار حياته، من وقفات الطفولة حتى سبحات الصبا، ولمسات الفن وأبحاث العقل المجرد والدراسات الإنسانية من اقتصاد واجتماع وعلم نفس وتربية وفن. كل تلك المراحل التي مر بها المصنف فتحت آفاقه لأسرار جديدة في كتاب الله عز وجل، إلى جانب تأثره بعدد من مؤلفات شقيقه، ككتاب (التصوير الفني في القرآن)، فقد كان يتحدث إليه في بعض جوانبه وقت إعداده، وكتاب ( العدالة الاجتماعية في الإسلام) والذي كان بمثابة جولة جديدة لمحمد قطب مع القرآن وأفق جديد، ليس مقتصرا على مفهوم العدالة الإسلامية، وإنما فكرة التوازن في الإسلام، بين الروح والجسد والروح والمادة والجانب الاقتصادي والجانب الخلقي أو الإنساني، وفي كل مرة كان يرجع محمد قطب إلى كتاب الله عز وجل يبحث عن تلك المفاهيم الجديدة في آيات القرآن وها هو أوردها في كتابه، مجتمعة متساوقة متواكبة لتأخذ مكانها في الصورة الموحدة الشاملة، لا أجزاء ولا تفاريق، لتكون دلالتها أوضح وأعمق وأدق.