إعلام الموقعين عن رب العالمين
ابن القيم
إعلام الموقعين عن رب العالمين
نبذة عن الكتاب

هذا السفر العظيم، "إعلام الموقعين" أو "أعلام الموقعين" - على وجهين مشهورين - لابن قيم الجوزية، كتاب هام يتناول مباحث أصولية واستطرادات فقهية، جمعها عقد أسرار الشريعة، وأنها قواعد مطردة، والغالب عليها أنها معللة، ولم يشذ منها شيء عن العقل الصحيح، والقلب السليم، و الذوق الجيد، التابع ذلك كله لنصوص الوحيين الشريفين، وآثار السلف الصالحين ومنهجهم في التلقي والاستنباط والفتوى، الذين اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما اصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم لسائر الخلق. وقد شمل المصنف استطرادات في معالجة مسائل امتحن بسببها المصنف وشيخه ابن تيمية، هي ثمار لتلك القواعد والأصول والأسرار التي قامت بقوة في نفس صاحبها، وتبرهنت عنده أدلة جلية قوية عليها. والكتاب جامع للفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية، حث فيه على اتباع الآثار النبوية وبين فيه مصادر التشريع، وشرح رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري التي تعتبر أصلا في الإثبات والأحكام، ثم تناول المؤلف بالدراسة التفصيلية بعض المباحث الفقهية والأصولية كالربا وسد الذرائع والحيل والقياس والتأويل وشروط المفتي وآداب الفتوى والطلاق الثلاث. وختم الكتاب بفصول مطولة عن فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم ورتبها على أبواب الفقه. ويبحث المؤلف المسائل بإسهاب وتفصيل، واستدلال وتعليل، ومناقشة وبيان، وتوجيه مع حسن الاختيار والترجيح، وقوة الشخصية، وتخريج الأحاديث وعزوها إلى كتب السنة.وفيه فصول نافعة، وأصول جامعة في تقرير القياس، والاحتجاج به، تكاد لا تجدها في كتاب، مثل: بيان شمول النصوص للأحكام والاكتفاء بها عن الرأي والقياس، وتقرير سقوط الرأي والاجتهاد والقياس وبطلانها مع وجود النص، وبيان أن أحكام الشرع كلها على وفق القياس الصحيح وليس فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حكم يخالف الميزان والقياس الصحيح؛ "وهذه الفصول الثلاثة من أهم فصول الكتاب، وبها يتبين للعالم المنصف مقدار الشريعة وجلالتها وهيمنتها وسعتها وفضلها وشرفها على جميع الشرائع". وقد اشتهر عنه بيان هذا الأصل العظيم، وهو أنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس ولا ما لا يعقل معناه. وفي الكتاب شرح واف وعناية بكتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء.وقد خصصت الفصول الأولى من "الأعلام" للكلام عن الفتوى وكونها توقيعا عن الله تعالى، وأول من وقع عنه، سبحانه، الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم الصحابة رضي الله عنهم وفيهم مكثرون من الفتوى ومتوسطون ومقلون، ومن صارت إليه الفتوى من التابعين، ثم من فقهاء الأمصار الإسلامية بالمشرق والمغرب. يلي ذلك فصول عن الأصول الخمسة لفتاوى الإمام أحمد رضي الله عنه: النص من الكتاب والسنة، وما أفتى به الصحابة، فإذا اختلفوا في فتاويهم فأقربها إلى الكتاب والسنة، ثم الأخذ بالحديث المرسل وبالضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، ثم القياس. ومنه عقد فصولا في: كراهة العلماء التسرع في الفتوى والجرأة عليها، وخطر ولاية القضاء، وخطر القول على الله تعالى بغير علم. وإطلاق الأئمة لفظ الكراهة على ما هو حرام، وكلامهم في أدوات الفتيا وشروطها، وهل تجوز الفتوى بالتقليد؟ وتحريم الإفتاء في دين الله بالرأي إلا ما كان منه مقبولا محمودا، وذلك هو رأي الصحابة، والرأي المفسر للنصوص، والذي تواطأت عليه الأمة وتلقاه الخلف عن السلف، فإن لم يجد المفتي أو القاضي ذلك، اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وأقضية أصحابه. وهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة واستعملوه وأقر بعضهم بعضا عليه. وساق ههنا ساق كتاب عمر رضي الله عنه في القضاء، عند وصوله إلى "الرأي المقبول" بأنواعه الأربعة، حيث أورده في النوع الأخير منها. وبعد إتمامه شرح كتاب عمر، أخذ المصنف في تقرير حرمة الإفتاء في دين الله بغير علم، وأن الواجب على من لا يعلم أن يقول: لا أدري، وبين أن هذه طريقة السلف الصالح، وكان ذلك تمهيدا لبحث التقليد، وقد صرح ابن القيم أن مبحثه في "التقليد" كمبحثه في "القياس" فيه جدة وإحاطة وشمول على وجه تخلو منه الكتب: "وقد أطلنا الكلام في القياس والتقليد، وذكرنا من مآخذهما وحجج أصحابهما وما لهم وعليهم من المنقول والمعقول ما لا يجده الناظر في كتاب من كتب القوم من أولها إلى آخرها، ولا يظفر به في غير هذا الكتاب أبدا، وذلك بحول الله وقوته ومعونته وفتحه، فله الحمد والمنة". ثم تكلم في وجوب إعمال النصوص، وأن الاجتهاد والقياس إنما يعمل به عند الضرورة، والواجب رد المتشابه إلى المحكم، لا العكس، ثم ذكر ثلاثة وسبعين مثالا لمن أبطل السنن بظاهر القرآن تمسكا بالمتشابه في رد المحكم، وفي ضمن ذلك تكلم على الزيادة على النص، والعرف وحجيته، ثم عقد فصلا عظيما في "تغير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد"، وفي ضمن ذلك تكلم على قاعدة اعتبار المقاصد والاعتقادات في التصرفات كما هي معتبرة في العبادات، والكلام المفصل على الحيل، وسد الذرائع، والتفريق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد، وحجية قول الصحابي، إلى أن ختم كتابه بفوائد تتعلق بالفتوى وعددها سبعون فائدة، ثم سرد فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم مرتبة على الأبواب.ومباحث كتابنا هي المشتركة بين علمي: الفقه والأصول، وإن كانت تارة إلى الفقه أظهر، بل بعض المسائل فيه فقهية خالصة، ولكن ساقها لتعلق لها بالأصول، أو لإظهار حكمها وأسرارها، أو تأييدا لمسألة شبيهة بها، أو نحو ذلك، مع مراعاة بنائه المسائل على الأثر بتوسع، فهو كتاب فقه، توسع فيه في الاستدلال والتأصيل والتحليل؛ ولذا ذكره الشيخ بكر أبو زيد في "المدخل المفصل" تحت عنوان "الكتب الجوامع في الفقه وغيره".