هذا الكتاب القيم من تأليف الإمام المجتهد البحر اللغوي الفقيه صاحب المصنفات أبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي، وقد صنف هذا المصنف وسماه كتاب الإيمان، ويتحدث فيه عن معالم الإيمان وسننه واستكماله درجاته، وقد كتب في هذا الموضوع الجليل بغرض توضيح معنى الإيمان واختلاف الأمة في استكماله وزيادته ونقصه ومعرفة ما عليه أهل السنة من ذلك والحجة على من فارقهم فيه. والكتاب يتكون من ثمانية أبواب وتندرج تحتها عدة مباحث: الباب الأول يدور حول نعت الإيمان في استكماله ودرجاته، ويتضمن هذا الباب الحديث عن افتراق أهل العلم في الإيمان فرقتين، وترجيح المصنف في ذلك، وكون الإيمان في مكة أولا مقتصرا على الشهادتين فقط دون زكاة أو صيام أو غيرها، ومنشأ غلط من ذهب إلى أن الإيمان هو قول دول عمل، وأحاديث في خصال الإيمان وحديث الشفاعة وحديث الوسوسة، وغيرها من المباحث؛ ثم الباب الثاني وهو باب الاستثناء في الإيمان، فيندرج تحته آثار عن ابن مسعود وغيره من السلف فيمن قال أنا مؤمن، وسبب كراهة السلف البت بذلك، وإنكارهم على من قال: إيماني كإيمان الملائكة ورد المصنف عليه؛ والباب الثالث في الزيادة من الإيمان والانتقاص منه، وفيه تسمية بعض من كان يذهب إلى القول بذلك من الأئمة واستدلال المصنف لهم ببعض الآيات ورده على من خالفهم وتأول بأربعة أوجه ذكرها ثم أبطلها؛ ثم باب تسمية الإيمان بالقول دون العمل، وفيه رد المصنف على الفرقة الأخرى التي جعلت الإيمان بالنية والقول فقط، وبيان تفاضل الناس وتفاوتهم في الإيمان وفي الأمور كلها مع استحقاقهم اسما واحدا وضربه الأمثلة على ذلك بالمصلين والصناع والبنائين في كلام جميل متين جدا، وأيضا بيان أن الإيمان مبني على العمل وأن عمل القلب الاعتقاد وعمل اللسان القول وهكذا؛ ثم باب من جعل الإيمان المعرفة بالقلب وإن لم يكن عمل، وهو في تصريح المصنف بأن الفرقة المتقدمة وإن كانت مخالفة لأهل السنة فإن ما ذهبوا إليه قد يقع الغلط في مثله وأنه حدثت فرقة ثالثة شذت عن الطائفتين ويعني (الجهمية)؛ ثم باب ذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولا بلا عمل وما نهوا عنه في مجالستهم، وفيه آثار في ذم الإرجاء والشهادة والبراءة وأنها بدعة وتفسيرها في التعليق، وتسمية بعض الأئمة الذين كانوا يرون الإيمان قولا وعملا؛ ثم باب الخروج من الإيمان بالمعاصي، وذكر فيه أحاديث بعضها في التغليظ على من ارتكب بعض الجرائم بنفي الإيمان عنه أو البراءة من النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها في إطلاق اسم الكفر والشرك عليه، ثم ذكر أربعة أقوال في تأويلها وردها كلها وبين الصواب في ذلك؛ ثم أخيرا باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان. والكتاب عظيم قدره لعظم الموضوع المتعلق فيه، كما يتميز أسلوب الإمام المصنف بالوضوح والفصاحة، كما استشهد كثيرا بكبار أئمة السلف، وأيضا حرص على ذكر العديد من الآراء المنحرفة ودحضها والرد عليها وبيان الأدلة في ذلك. وقد حقق هذا الكتاب القيم العلامة محمد ناصر الدين الألباني فقام بنسخ المخطوطات وترتيب الأبواب والمباحث وتخريج الأحاديث ووضع الفهارس للموضوعات والأحاديث المذكورة.