مجموع الفتاوى ج3
ابن تيمية
مجموع الفتاوى ج3
نبذة عن الكتاب

مجموع الفتاوى هو جمع وتبويب لفتاوى شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، الفقيه المحدث المفسر الحبر بحر العلم وإمام أهل السنة في زمانه، أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري (انظر ما ألف في مناقبه مثل: العقود الدرية، الكواكب الدرية، الشهادة الزكية، الأعلام العلية، القول الجلي، الرد الوافر، إضافة لكتب المعاصرين أمثال أبي زهرة وغيره). وقد جمع فتاويه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ورتبها على الأبواب، فجاءت كبيرة الحجم عظيمة النفع في 37 مجلدا.وهذا المجلد الثالث عنوانه "مجمل اعتقاد السلف"، ويتضمن "الرسالة التدمرية"، و"العقيدة الواسطية"، و"مناظرة حول العقيدة الواسطية". وجميعها مطبوعة محققة استقلالا ولها شروحات.أما الرسالة التدمرية فهي من رسائل شيخ الإسلام المتميزة التي تعد زبدة ما ذكره في كتبه المطولة عن الاعتقاد. وهي تدور حول التوحيد بنوعيه: الخبري والإرادي. فهو يتناول الكلام عن توحيد الربوبية والصفات وهو التوحيد الخبري، وعن القدر والشرع وهو التوحيد الإرادي. إضافة إلى الرد على المخالفين في هذه الأبواب، مع تأييد الرأي بالحجج النقلية والبراهين العقلية. وللتدمرية شروح ومختصرات وتهذيبات وتقريبات وتعليقات. أما العقيدة الواسطية فهو رسالة ألفها الشيخ استجابة لطلب وإلحاح من أحد قضاة بلدة واسط في العراق - وهو رضي الدين الواسطي - أن يؤلف له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، بعد أن شكى له ما عم من جهل ودروس للعلم، فكتبها شيخ الإسلام في مجلس واحد بعد العصر وأسماها "العقيدة الواسطية: اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة"، حيث ضمنها اعتقاد السلف الصالح جميعهم، وما لبثت أن سارت بها الركبان، وبعد سبع سنين من كتابتها وانتشارها في الآفاق، تحدى خصومه - الذين وشوا به إلى السلطان في مصر وزعموا أنه يدعوا الناس إلى غير عقيدة السلف - وأمهلهم ثلاث سنين أن يأتوا بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة الفاضلة يخالف ما في هذه العقيدة المباركة. ولما لهذه العقيدة من أهمية بالغة فقد تناولها جمع من العلماء المعاصرين بالشرح والتعليق بين موسع ومختصر، ولعل من أشهرها شرح السعدي ومحمد خليل هراس وعبد العزيز السلمان وكذا ابن عثيمين، بل قد نظمها عبد العزيز النجدي حتى يسهل حفظها. أما المناظرة فقد طلب جماعة من علماء عصر شيخ الإسلام رحمه الله إلى نائب السلطنة في دمشق – وهو جمال الدين أقوش الأفرم – أن يعقد للشيخ مجلس يناقشونه فيه بما يقال عنه حول عقيدته، فجمعهم به في مجلسه عام 705هـ، وحضره جماعة من طلاب الجاه من المنتسبين للعلم، وجماعة أخرى من أهل الفضل والتقوى ممن لم ينظروا في كتب شيخ الإسلام بأنفسهم فتأثروا بما أذيع عنه من افتراء. وهي مناظرة ثرية ماتعة ظهر الشيخ عليهم فيها بالحجة والبيان، فرجع الفضلاء إلى قوله طائعين، وأذعن عبيد الجاه للحق مكرهين. ويجد فيها القارئ جانبا مختلفا لشخصية شيخ الإسلام وهو الجانب العملي الذي يكمل الصورة جنبا إلى جنب مع ما يظهر من خلال كتاباته وتصانيفه. وفي هذا الجزء مراسلات بينه وبين أخيه عبد الله ابن تيمية من سجن الإسكندرية، وفيها أيضا فصول متفرقة في بدعة الخوارج وسب الصحابة وأمور التكفير، وبيان النبي ﷺ لأصول الدين، والذي يجب على المكلف اعتقاده، والعبادة والطاعة، والفرقة الناجية، ورسالة الشيخ إلى عدي بن مسافر وثنائه عليه، وفي ذم التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله. ومن المسائل المشهورة في هذا الجزء: قاعدة في أهل السنة والجماعة؛ الوصية الكبرى.ومنهج شيخ الإسلام تقرير الأصول المعلومة أولا ثم تحرير محل النزاع وتبيان مواطن الاشتباه بردها إلى الأصول المتفق عليها، معتمدا على القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وأقوال الصحابة وآراء السلف والأئمة، وفهم النصوص على مراد الله وعلى مراد رسوله ﷺ بفهم السلف، فقد كان يرى أن الشريعة أصلها القرآن، وقد فسره النبي ﷺ، والذين تلقوا ذلك التفسير من النبي هم الصحابة ثم نقلوها إلى التابعين. والشيخ رحمه الله قوي الحجة يعرض أقوال المخالفين ويفندها بالمنقول والمعقول. فقد كان رحمه الله يؤكد على موافقة المعقول للمنقول وشمولية النصوص للأحكام، فلم يكن يهمل العقل والفكر في دراساته، ولم يكن يجاوز به مجاله، ولا يجعله حاكما على نص قرآني أو حديث صحيح. وفقه ابن تيمية مبني على تحقيق مقاصد الشارع بجلب المصالح ودرء المفاسد، وقد أولى ابن تيمية هذا الجانب اهتماما كبيرا مبينا مقاصد الشارع من النصوص الشرعية، والأسباب التي رتبت عليها الأحكام، واهتم أيضا بدرء المفاسد المتمثل بأصل سد الذرائع. كما كان يراعي الأصول والقواعد العامة ويربط منهجه بالأصول والقواعد العامة، وسبب ذلك ملاحظته تفكك الأفكار واختلاف المفهومات والخطأ في المسائل الشرعية، بسبب النظرة الجزئية في الأدلة الشرعية لدى بعض الفقهاء. والشيخ - على خلاف ما يشاع عنه - مذهبه التسهيل والتيسير ما لم يكن مانع شرعي في حدود ما يدركه على ضوء الأدلة الشرعية، ولا يتجه إلى هذا الجانب عند وجود دليل منع في المسألة. والشيخ ديدنه عدم التعصب لمذهب معين، والدعوة إلى الفقه في الدين ونبذ الجمود، فلا يتبع غيره بغير دليل من القرآن والسنة النبوية وما صح عن الصحابة وآثار السلف. وقد كان عصره يموج بالتعصب لدى بعض متبعي المذاهب، فحدث الركود الفكري في تلك الفترة. وقد نشأ ابن تيمية حنبلي المذهب، واستقى عن أبيه وجده الفقه وأصوله، واستفاد كثيرا من أصول أحمد بن حنبل وفقهه، ولكنه لم يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء عند أحمد إلا عن اقتناع وموافقة الدليل، فيعتبره البعض مجتهدا، ويعتبره آخرون أنه مجتهد منتسب إلى مذهب الحنابلة لا يفتي إلا بما قام عليه الدليل، وإن خالف مذهب الحنابلة أو بقية فقهاء المذاهب الأخرى. والحق أن ابن تيمية مجتهد مطلق، له انتساب وعناية بمذهب الحنابلة. وكان يعتبر أن مذهب أحمد بن حنبل أمثل المذاهب الإسلامية وأقربها إلى السنة، فيقول: (أحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصاً كما يوجد لغيره، وبدون في مذهبه قول ضعيف إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها يكون قوله فيها راجحا).ويذكر الحافظ ابن رجب أنه تتبع فتاوى الصحابة والتابعين فصار عليما بها، وعُني بدراسة فقه المذاهب الأخرى ووقف على آراء فقهائها واختلافهم. ومن أجل هذا كان يذهب في أحكامه إلى ما يقوم به الدليل دون الالتفات إلى أي مذهب، ويقول الذهبي في ذلك: (وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقول دليله عنده). والإمام علم من أعلام أهل السنة، حرر معتقدهم وجلى عقيدة السلف ورد على جميع أهل البدع في عصره، وكل ذلك نجده في مجموع فتاويه.