مجموع الفتاوى هو جمع وتبويب لفتاوى شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، الفقيه المحدث المفسر الحبر بحر العلم وإمام أهل السنة في زمانه، أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري (انظر ما ألف في مناقبه مثل: العقود الدرية، الكواكب الدرية، الشهادة الزكية، الأعلام العلية، القول الجلي، الرد الوافر، إضافة لكتب المعاصرين أمثال أبي زهرة وغيره). وقد جمع فتاويه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ورتبها على الأبواب، فجاءت كبيرة الحجم عظيمة النفع في 37 مجلدا.وهذا المجلد الثامن فيه فتاوى شيخ الإسلام في القدر. وفيه تفصيل لا مزيد عليه لجميع المسائل المتعلقة بالقضاء والقدر والحكمة والتعليل، ومنها مسائل مشهورة بأسمائها مثل: أقدم ما قيل في القضاء والقدر؛ مراتب الإرادة؛ مسألة القدر؛ القضاء والقدر؛ الاحتجاج بالقدر.ومنهج شيخ الإسلام تقرير الأصول المعلومة أولا ثم تحرير محل النزاع وتبيان مواطن الاشتباه بردها إلى الأصول المتفق عليها، معتمدا على القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وأقوال الصحابة وآراء السلف والأئمة، وفهم النصوص على مراد الله وعلى مراد رسوله ﷺ بفهم السلف، فقد كان يرى أن الشريعة أصلها القرآن، وقد فسره النبي ﷺ، والذين تلقوا ذلك التفسير من النبي هم الصحابة ثم نقلوها إلى التابعين. والشيخ رحمه الله قوي الحجة يعرض أقوال المخالفين ويفندها بالمنقول والمعقول. فقد كان رحمه الله يؤكد على موافقة المعقول للمنقول وشمولية النصوص للأحكام، فلم يكن يهمل العقل والفكر في دراساته، ولم يكن يجاوز به مجاله، ولا يجعله حاكما على نص قرآني أو حديث صحيح. وفقه ابن تيمية مبني على تحقيق مقاصد الشارع بجلب المصالح ودرء المفاسد، وقد أولى ابن تيمية هذا الجانب اهتماما كبيرا مبينا مقاصد الشارع من النصوص الشرعية، والأسباب التي رتبت عليها الأحكام، واهتم أيضا بدرء المفاسد المتمثل بأصل سد الذرائع. كما كان يراعي الأصول والقواعد العامة ويربط منهجه بالأصول والقواعد العامة، وسبب ذلك ملاحظته تفكك الأفكار واختلاف المفهومات والخطأ في المسائل الشرعية، بسبب النظرة الجزئية في الأدلة الشرعية لدى بعض الفقهاء. والشيخ - على خلاف ما يشاع عنه - مذهبه التسهيل والتيسير ما لم يكن مانع شرعي في حدود ما يدركه على ضوء الأدلة الشرعية، ولا يتجه إلى هذا الجانب عند وجود دليل منع في المسألة. والشيخ ديدنه عدم التعصب لمذهب معين، والدعوة إلى الفقه في الدين ونبذ الجمود، فلا يتبع غيره بغير دليل من القرآن والسنة النبوية وما صح عن الصحابة وآثار السلف. وقد كان عصره يموج بالتعصب لدى بعض متبعي المذاهب، فحدث الركود الفكري في تلك الفترة. وقد نشأ ابن تيمية حنبلي المذهب، واستقى عن أبيه وجده الفقه وأصوله، واستفاد كثيرا من أصول أحمد بن حنبل وفقهه، ولكنه لم يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء عند أحمد إلا عن اقتناع وموافقة الدليل، فيعتبره البعض مجتهدا، ويعتبره آخرون أنه مجتهد منتسب إلى مذهب الحنابلة لا يفتي إلا بما قام عليه الدليل، وإن خالف مذهب الحنابلة أو بقية فقهاء المذاهب الأخرى. والحق أن ابن تيمية مجتهد مطلق، له انتساب وعناية بمذهب الحنابلة. وكان يعتبر أن مذهب أحمد بن حنبل أمثل المذاهب الإسلامية وأقربها إلى السنة، فيقول: (أحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصاً كما يوجد لغيره، وبدون في مذهبه قول ضعيف إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها يكون قوله فيها راجحا).ويذكر الحافظ ابن رجب أنه تتبع فتاوى الصحابة والتابعين فصار عليما بها، وعُني بدراسة فقه المذاهب الأخرى ووقف على آراء فقهائها واختلافهم. ومن أجل هذا كان يذهب في أحكامه إلى ما يقوم به الدليل دون الالتفات إلى أي مذهب، ويقول الذهبي في ذلك: (وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقول دليله عنده). والإمام علم من أعلام أهل السنة، حرر معتقدهم وجلى عقيدة السلف ورد على جميع أهل البدع في عصره، وكل ذلك نجده في مجموع فتاويه.