ألف القاضي رحمه الله هذا الكتاب جوابا لسؤال ورد إليه في بيان قول الإمام أحمد في تعريف الإيمان والمسائل الأخرى المذكورة. وقد اتبع منهجا مطردا إذ يذكر المسألة، ثم يذكر قول الإمام أحمد فيها، ثم يذكر أقوال غيره من العلماء والأئمة، ثم يذكر الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وبعد ذلك يورد أقوال المخالفين، ثم يفصل في الرد عليهم فرقة فرقة؛ فيذكر ما استدلوا به من القرآن والسنة، ويرد على استدلالاتهم، ثم يفترض لهم افتراضات على اعتبار أنها من احتجاجاتهم ويرد عليها على طريقة المتكلمين. وتأتي أهمية الكتاب من كون القاضي قد عاش آخر القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس في بغداد عاصمة الخلافة العباسية أي في زمن كثر فيه المتكلمون وخاصة الأشاعرة كابن فورك والباقلاني والقشيري وتلامذتهم. من هنا أخذ الكتاب أهميته من حيث الجمع بين الأدلة الشرعية وكذلك طريقة المتكلمين في إيراد الاحتجاجات وردها، وهو بهذا يخاطب المتكلمين بلغتهم ويرد عليهم بما يفهمونه. أما عن طريقته فهي ظاهرة وهي الاعتناء بأقوال الإمام أحمد، والمناقشة الهادئة إذ لا ترى في العرض أو الرد كلمة نابية أو صفة جارحة بل يكتفي بإبراز الحق وإظهاره، وهذا يدل على حسن سمته وهدوءه وعفة لسانه رحمه الله. وقد تطرق القاضي رحمه الله في هذا الكتاب إلى المسائل المتعلقة بالإيمان؛ وقد بنى الكلام على تسع مسائل؛ هي: المسألة الأولى: تعريف الإيمان وأنه قول واعتقاد وعمل مع الإطالة في ذكر الأدلة الشرعية، والرد على الجهمية والكرامية والأشاعرة. المسألة الثانية: هل الإيمان باق على وضع اللغة أم أن الشارع نقل اسم الإيمان؛ إذ بيَّن أن الشارع لم ينقل اسم الإيمان ولم يغيره وإنما زاد فيه أحكاما، وبيَّن أن الخلاف في هذه المسألة مع المعتزلة الذين قالوا أن الأسماء الشرعية حقائق دينية لا يسمى بها إلا من استحقها. المسألة الثالثة: في الفاسق الملي أو مرتكب الكبيرة، وأنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان. المسألة الرابعة: في زيادة الإيمان ونقصانه، مع بيان أقوال من نفى الزيادة والنقصان عموما، ومن قال إن الزيادة والنقصان في التصديق فقط دون الأعمال. المسألة الخامسة: هل يتساوى إيمان جميع المكلفين، مبينا أن قول السلف هو أن الزيادة والنقصان تدخل على عمل القلب كما تدخل على عمل الجوارح، وأن إيمان المكلفين لا يتساوى، وأنه يتفاوت تفاوتا ظاهرا، وأيد ذلك بالأدلة الشرعية وبالنقول عن السلف في بيان عدم تساوي إيمان المكلفين. المسألة السادسة: هل الإيمان والإسلام اسم لمعنى واحد أم لمعنيين مبينا الفرق بينهما وأن الإيمان أعم من الإسلام، وأن الإسلام داخل فيه مبينا قول الإمام أحمد. وإلى هنا انتهى الجزء الموجود من هذا الكتاب القيم أما الباقي فللأسف مفقود.. لكن نجد القاضي رحمه الله قد أجاب عن الأسئلة الثلاثة الباقية في كتابه المختصر المعتمد، وبين فيها رأيه، فكانت المسألة السابعة عن الاستثناء في الإيمان. والمسألة الثامنة: هل يكون المؤمن وقت إيمانه مؤمنا على الحقيقة وإن كفر بعد ذلك ويثاب على الإيمان والأعمال الصالحة الواقعة من المكلف في حال الإيمان وإن لم يواف بالإيمان ولم يختم به عمله أم لا. المسألة التاسعة: هل الإيمان مخلوق أم لا. وقد اعتمد القاضي في كتابه على كتاب الإيمان للإمام أحمد، وعلى كتاب غريب القرآن لابن قتيبة، والإيمان لأبي عبيد، والإبانة الصغرى والكبرى لابن بطة، والإيمان لابن شاهين، والشريعة للآجري. وقد يؤخذ على الكتاب عدم عزو بعض النقول إلى من أسندها.