هذا الكتاب مختصر على مذهب الإمام مالك بن أنس. وهو يصنف ضمن فروع الفقه المالكي، وهو من أمهات كتب المذهب لشهرته حتى صار المعتمد فيه في القرون المتأخرة. وقد مكث المصنف في تحريره على صغر حجمه أكثر من عشرين سنة، وهي فترة زمنية عادة ما تُخصص للمطولات من أمهات الكتب، وبقاء المؤلف مدة مثل هذه دليل على شدّة حرصه وتوخيه الدقة العلمية في جمع أحكامه وتنظيمها، ولذا جاء مقتضبا في ألفاظه، دقيقا في مصطلحاته، جامعا لمعظم أمّهات مسائل الفقه المالكي. فمن أهمية الكتاب أن وضع الله تعالى له القبول منذ زمنه إلى الآن؛ فأكب الفقهاء على دراسته وفهمه وحفظه، وعكف الناس عليه شرحا وتوضيحا في الشرق والغرب. وإذا أُطلق "المختصر" انصرف عند المتأخرين إلى "مختصر خليل". قال عنه الشيخ ابن غاز: "إنه من أفضل نفائس الأعلاق، وأحق ما صرفت له همم الحذاق، عظيم الجدوى، بليغ الفحوى، بيَّن ما به الفتوى... فما نُسج على منواله، ولا سمع أحد بمثله. وقد أقبل العلماء على مختصره هذا وتناولوه بالشرح والتعاليق حتى وضع عليه أكثر من مائة تعليق ما بين شرح وحاشية". ويهدف الكتاب إلى بيان مشهور المذهب المالكي وما تكون به الفتوى من الأقوال. يقول المصنف عما دفعه لتصنيفه: "فقد سألني جماعة -أبان الله لي ولهم معالم التحقيق وسلك بنا وبهم أنفع طريق- مختصرا على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى مبينا لما به الفتوى فأجبت سؤالهم بعد الاستخارة". وقد جمع أسلوب الكتاب مع الاختصار شدة الضبط والتهذيب، واقتدر على حسن النسق والترتيب، بمنهج وصفي محكم. ويوضح المصنف مصطلحات كتابه قائلا في المقدمة: "مشيرا بـ"فيها" للمدونة، وبـ"أول" إلى اختلاف شارحيها في فهمها، وبـ"الاختيار" للَّخمي، لكن إن كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره هو في نفسه، وبالاسم فذلك لاختياره من الخلاف وبـ"الترجيح" لابن يونس كذلك، وبـ"الظهور" لابن رشد كذلك، وبـ"القول" للمازري كذلك، وحيث قلت: "خلاف" فذلك للاختلاف في التشهير، وحيث ذكرت قولين أو أقوالا فذلك لعدم مختصر اطلاعي في الفرع على أرجحية منصوصة وأعتبر من المفاهيم مفهوم الشرط فقط، وأشير بـ"صحح" أو "استحسن" إلى أن شيخا غير الذين قدمتهم صحح هذا أو استظهره، وبـ"التردد" لتردد المتأخرين في النقل أو لعدم نص المتقدمين، وبـ"لو" إلى خلاف مذهبي". ويحتوي المختصر على كتب الفقه على الترتيب التالي: الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والاعتكاف والحج والأيمان والجهاد وخصائص النبي والنكاح والخلع والطلاق والإيلاء والظهار واللعان والعدة والبيوع والسلم والقرض والرهن والدَّيْن والشفعة والإجارة واللقطة والشهادة والحدود والمكاتب والوصية والفرائض. ومن أهم الشروح على هذا المختصر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل لأبي عبد الله الحطاب (ت٩٥٣هـ)، ومواهب الجليل للأجهوري (ت١٠٦٦هـ)، وشرح مختصر خليل لعبد الباقي الزرقاني (ت١٠٩٩هـ)، وغيرها. ومما أخذه البعض على الكتاب أنه كما يقول العلامة الحجوي: مختصرُ مختصَرِ المختصر بتكرّر الإضافة، مما جعل بعض العلماء يَعُدّ مبالغته في الاختصار من التعقيد والتلغيز الذي يؤدي إلى عدم الإفادة منه.