هذا الكتاب القيم من تأليف العلامة الفقيه الأصولي أبي عبد الله محمد بن محمد الرعيني المالكي الشهير بالحطاب، مفتي الحرم المكي وشيخ المالكية في عصره. وهو شرح لكتاب (الورقات) المصنف الشهير في أصول الفقه للشيخ الإمام أبي المعالي عبد الملك إمام الحرمين. والكتاب على صغر حجمه فقد كثر علمه وعظم نفعه، وهو من أبرز المتون وأشهرها في أصول الفقه، وهو متن قيم ومتقدم ومختصر جدا وسهل الحفظ، وأبعد ما يكون عن تكلف المنطقيين ومسلك المتكلمين، وقد تواترت نسبته لأبي المعالي الجويني الشافعي، أحد أبرز فقهاء المذهب الشافعي، وقد كان أبو المعالي في أول أمره على مذهب أهل الكلام في باب الأسماء والصفات من الأشاعرة والمعتزلة، ولكنه رجع إلى مذهب أهل السنة كما قرره ابن تيمية. وهو من المتون التي وضع لها القبول؛ حيث تسابق طلاب العلم على حفظه لاختصاره، وقام العلماء عليه قديما وحديثا بالشروح والحواشي والنظم، كما قرر في الكثير من الدورات العلمية المعاصرة. وقد اشتمل المتن على أهم مباحث الأصول؛ حيث اشتمل على التعريف بمعنى أصول الفقه وأنواع الأحكام، ثم التعريف ببعض مصطلحات علم الأصول، ثم تناول أبواب أصول الفقه والمتضمنة لأقسام الكلام، والأمر والنهي، والعام والخاص، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، والأفعال، والناسخ والمنسوخ، والإجماع، والأخبار، والقياس، والحظر والإباحة، وترتيب الأدلة، وصفة المفتي والمستفتي، وأحكام المجتهدين. ولكن مما يؤخذ على المتن أنه لم يشتمل على بعض المسائل الهامة في الأصول، مثل بعض الأحكام الوضعية، وبعض مسائل العموم، وبعض مباحث القرآن الهامة.وقد شرحه الكثير من العلماء، ومن أحسن شروحه شرح الشيخ العلامة جلال الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد المحلي الشافعي، إلا إنه لفرط إيجازه قارب أن يكون من جملة الألغاز، فلا يُهتدى لفوائده إلا بتعب وعناية، مما دفع العلامة أبي عبد الله محمد الرعيني لشرحه مرة أخرى بعبارة واضحة منبها فيها على نكت الشرح المذكور وفوائده، بحيث يكون هذا شرح للورقات وللشرح المذكور، فيسهل فهمه على طالب العلم المبتدئ وغيره. والطبعة التي بين يدينا من تحقيق الشيخ أحمد مصطفى قاسم الطهطاوي، إذ قام بتخريج الآيات والأحاديث وشرح بعض المصطلحات والألفاظ وترجم لبعض الأعلام المذكورين. ويتكون الكتاب من أبواب ويندرج تحتها فصول ومباحث، ويبدأ بمقدمة المحقق التي ترجم فيها للشارح وذكر منهجه في التحقيق؛ ثم مقدمة الشارح؛ ثم مقدمة المصنف التي عرف فيها أصول الفقه وعرف الأصول وعرف الفقه؛ ثم سائر الأبواب. ومن منهج الشارح في شرحه أنه لا يعدل عن عبارة الشرح الذي استند إليه وهو شرح العلامة جلال الدين المحلي الشافعي، وإنما يغيرها لأوضح منها أو يزيد عليها فائدة، ويسهل على المبتدئ في طلب العلم أن ينتفع منها، كما بدأ شرحه بالتعريف بالمصنف وذكر نبذة عن نشأته وحياته. ويتميز الشرح بكونه أبسط من غيره وأوضح فيخلو من الألفاظ الصعبة أو الاسترسال دون داع، كما تتميز الطبعة التي بين يدينا بوضوحها وخلوها من الأخطاء تقريبا وصغر حجمها وترتيبها.