يعد هذا الكتاب من أهم مصنفات أهل السنة في العقيدة. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "قول الإمام أبي القاسم الطبري اللاكائي، أحد أئمة أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب السنة، وهو من أجل الكتب". لقد أبان الإمام اللالكائي عن سبب التأليف، وأنه يرجع إلى أمرين أحدهما مرتبط بالآخر: الأول: تكرار السؤال من أهل العلم في شرح اعتقاد مذاهب أهل الحديث. والثاني: تجديد طريقة السلف في إيراد مسائل الاعتقاد، حيث انصرف بعض علماء زمانه عن مذهب أهل السنة، واشتغلوا عنه بما أحدثوه من العلوم الأخرى، مما أدى إلى ضياع الأصول الحديثية الإسنادية القديمة التي أسست عليها الشريعة. وقد بيَّن المؤلف رحمه الله أنه بدأ تأليفه للكتاب بعد تصفح عامة كتب الأئمة الماضين مثل صحيحي الإمام البخاري والإمام مسلم، وقد ذكرهما في مواضع متعددة، وسنن الإمام أبي داود، وصحيح الإمام ابن خزيمة، ومسند الإمام أحمد. أما عن منهجه في الكتاب فقد فصَّل في بعض المسائل الخلافية، وبين المحدث منها، والفترة الزمنية التي أحدثت فيها. وبيَّن أنه لم يسلك فيه طرق التعصب على أحد من الناس. وسلك فيه مسلك المحدثين من الاستدلال بالقرآن الكريم، فإن لم يجد فمن السنة، فإن لم يجد فيهما ولا في أحدهما استشهد بقول الصحابة، فإن لم يجد عنهم فعن التابعين. ويقدم المؤلف في أول المبحث بعض الآثار بدون سند، ثم يأتي بها بعد ذلك بأسانيدها. وقد اهتم المؤلف بجمع الأحاديث والآثار في المسائل ويوردها بسنده إلى قائلها، خاصة إذا كان الحديث أو الأثر في كتب السنة المشتهرة، وقد بين المؤلف أنه اختصر في ذكر الآثار عن الصحابة والتابعين، وحذف بعض الأسانيد. وهو يسرد الأدلة في كثير من الأحيان دون التعليق عليها أو الشرح، ولعل السبب هو كثرة النصوص. ويختم بعض المباحث برؤى ومنامات تشهد لأهل السنة والجماعة بصحة اعتقادهم وتعيب على المخالفين، كما في نهاية مبحث القرآن والقدر، والمنامات لا يستدل بها على صحة أو فساد المعتقد، وإنما هي مبشرات، وتثبيت لقلوب المؤمنين إذا لم تخالف المعتقد الصحيح. وهو في كل أدلته لا يذكر المذاهب المخالفة في المسألة التي يوردها إلا نادرا. أما عن تبويبه للكتاب: فإنه يبوب للمسألة الأصل والعمدة بقوله: باب في كذا، ثم يذكر أبوابا فرعية تحت عنوان: سياق ما روي في كذا. فمثلا قال المؤلف: باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وإبتداء الوحي إليه وفضائله ومعجزاته. ثم أورد تحته عناوين فرعية منها: سياق ما روى في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم متى كانت وبما عرفت من العلامات، و سياق ما روى النبي صلى الله عليه وسلم في إبتداء الوحي، وهكذا. ومن أهم الميزات التي امتاز بها هذا الكتاب: اشتماله على كم كبير من أدلة اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة. واشتماله على نصوص علماء السلف في مسائل الاعتقاد مسندة. مع كونه يسوق الأحاديث والآثار بإسناده إلى قائليها، وهذا بدوره له فائدة في معرفة درجة هذه الأحاديث والآثار.ثم إنه يعد موسوعة في أسماء علماء أهل السنة، حيث اشتمل المجلد الأول فقط على ما يقرب من ستمائة من علماء أهل السنة والجماعة. مع التزامه بمنهج أهل السنة والجماعة في عرض المسائل العقدية. ثم إنه لا يورد الأحاديث والآثار الواردة في كتب السنة المشهورة من نفس طريق مؤلفيها، بل يوردها من طرق أخرى، وهو من هذه الحيثية يعد من كتب المستخرجات، ولا يخفى ما في كتب المستخرجات من فوائد حديثية كثيرة؛ كزيادة قوة الحديث أو الأثر، وتفسير الأحاديث بعضها ببعض، وتبيين المهمل والمبهم، وتصريح المدلس بالسماع، وغير ذلك من الفوائد. وقلَّ أن يوجد مصنف لأحد من العلماء في الاعتقاد بعده، لم يستفد منه أو يشر إليه.