كتاب تأسيس النظر وضعه أبو زيد الدبوسي وهو من أكابر فقهاء الحنفية في عصره، وأحد أهم أصوليي الحنفية عبر القرون إن لم يكن أبعدهم أثرا في طريقة الحنفية، لا سيما في كتابه الأول "تقويم أصول الفقه". وهو أول من وضع علم الخلاف وأبرزه للوجود في كتاب "تأسيس النظر".وقد ذكر الدبوسي في مقدمة كتابه أنه لما رأى تصعب الأمر في تحفظ مسائل الخلاف على المتفقهة وتعسر طرق استنباطها عليهم وقصور معرفتهم عن الاطلاع على حقيقة مأخذها واشتباه مواضع الكلام عند التناظر فيها، جمع في كتابه هذا أحرفا إذا تدبر الناظر فيها وتأملها عرف مجال التنازع ومدار التناطح عند التخاصم، فيصرف عنايته إلى ترتيب الكلام وتقوية الحجج في مواضع النزاع. ولقد قسم الدبوسي الخلاف في كتابه إلى ثمانية أقسام هي: الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، الخلاف بين الشيخين (أبي حنيفة وأبي يوسف) وبين محمد بن الحسن، الخلاف بين الطرفين (أبي حنيفة ومحمد) وبين أبي يوسف، الخلاف بين علمائنا الثلاثة وبين زفر، الخلاف بين علمائنا وبين الإمام مالك بن أنس، الخلاف بين علمائنا الثلاثة (محمد بن الحسن والحسن بن زياد وزفر) وبين ابن أبي ليلى، الخلاف بين علمائنا الثلاثة وبين أبي عبد الله الإمام القرشي محمد بن إدريس الشافعي. ثم جعل لكل قسم بابا وذكر لكل باب منه أصولا وأورد فيه لكل أصل ضربا من الأمثلة والنظائر. ثم أودع في آخر هذه الأقسام الثمانية قسما آخر ذكر فيه أصولا يشتمل كل أصل على مسائل خلافية متفرقة وما عدا الأقسام الثمانية من أقوال المخالفين، نحو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي والشعبي وغيرهم.وطريقة أبي زيد هي طريقة الحنفية على نهج الكرخي في استنباط الأصول من فروع المذاهب ومسائله، ويكاد الدبوسي يلازم في عرض المسائل الأصولية طريقا واحدة، فهو يبدأ بذكر الأصل عند أبي حنيفة أو الشيخين أو الثلاثة ثم يقول "وعلى هذا مسائل منها" ويذكر كل مسألة والوجه فيها عند أبي حنيفة مثلا ثم عند مخالفه.إن الطبيعة التفسيرية للكتاب أدت إلى امتزاج القواعد الأصولية بالقواعد الفقهية، مما سيكون له أثر كبير على أصول الحنفية وعلى موضوع علم الأصول ومسائله لديهم. والكتاب يعد أصلا في علم الخلاف كما أنه يعد من كتب القواعد الفقهية والأصولية.