هذا الكتاب هو شرح كتاب "جمع الجوامع" لابن السبكي في باب أصول الفقه. وهو شرح ممزوج تمتزج فيه عبارة المتن مع الشرح. وقد كثرت شروح كتاب "جمع الجوامع" لما له من أهمية كبيرة؛ ككتاب "الترياق النافع" للعلوي، وكتاب "البدر الساطع" للمطيعي، وكتاب "الغيث الهامع" لأبي زرعة، وكتاب "البدر الطالع" للمحلي. إلا أن "تشنيف المسامع" قد تميز بذكره مبنى الخلاف أو أصل المسألة في بعض المسائل الأصولية، مما جعله من أهم شروح "جمع الجوامع" وأعلاها وأعمها نفعا وأدقها تحليلا وتفصيلا. وقد التزم الزركشي في شرحه بالأبواب والموضوعات الواردة في متن "جمع الجوامع" وهي التعريف بعلم أصول الفقه، وبيان أقسام الحكم الشرعي، والكلام على مباحث الألفاظ والمنطوق والمفهوم والعام والخاص والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ، والكلام على الأخبار والصحابي، ثم الكلام على الإجماع، ثم القياس. ويتكلم الزركشي في مقدمة شرحه عما دفعه لتصنيف هذا الشرح قائلا: "فلما كان كتاب جمع الجوامع من الكتب التي دقت مسالكها ورقت مداركها لما اشتمل عليه من النقول الغريبة والمسائل العجيبة والحدود المنيعة والموضوعات البديعة، مع كثرة العلم ووجازة النظم... قد اضطر الناس إلى حل معاقده وبيان مقاصده والوقوف على كنوزه ومعرفة رموزه... فاستخرت الله تعالى في تعليق نافع عليه، يفتح مقفله ويوضح مشكله ويشهر غرائبه ويظهر عجائبه، مرتفعا عن الإقلال المخل، منحطا عن الإطناب الممل". ويمكن توضيح منهج الزركشي في شرحه فيما يلي: يشرح الغريب من الألفاظ التي يحتاج إليها طالب العلم ويُعَرّف الاصطلاحات العلمية في أي فن كانت. ثم إنه يحرر محل النزاع ويفصل المسائل التي تحتاج إلى تفصيل، مما يجعل عرض المسائل الأصولية قريب التناول، واضح المعالم، سهل الاستيعاب في عبارات علمية رصينة، خالية من التعقيدات اللفظية، سالمة من الإشارات الخفية. وهو يورد الفقرة من متن جمع الجوامع ويشرحها شرحا مفصلا، مع حرصه على بيان ما تحويه المسألة من خلاف، محاولا نسبة كل رأي لقائله، ثم يقوم بمناقشة ما يبدو له من خلاف سواء كان موافقا أو مخالفا لابن السبكي. وقد رجع الزركشي في كتابه إلى كتب كثيرة؛ منها: "الإبهاج في شرح المنهاج" لتقي الدين السبكي، و"البرهان" للجويني، و"التقريب والإرشاد" للباقلاني، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي، وغيرها كثير. ويمتاز الشارح بعزو الأقوال إلى أصحابها مع التنصيص على المراجع التي استفاد منها. وقد يؤخذ عليه بعض الهنات اليسيرة في عدم ذكر درجة الحديث ولو كان موضوعا، مع عدم تعرضه لعبارات المتن لا من ناحية الإعراب ولا من ناحية البلاغة.