أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف الشيخ العلامة إلى قسم الدراسات العليا الشرعية فرع العقيدة جامعة أم القرى. وهي تهدف إلى معالجة قضية فصل العمل عن الإيمان في ضوء عقيدة أهل السنة. وكان سبب تأليف الكاتب في هذا الموضوع ما أصاب عقيدة معظم المسلمين في الواقع المعاصر من خلل بسبب تأثرهم بفهم منحرف يقوم على عقيدة الإرجاء؛ فقد امتد ظهور فكرة الإرجاء بقوة في الآونة الأخيرة، وانبرى لترويجها عدد كثير من الكتَّاب، يعتمدون على نقولات مبتورة من كلام شيخ الإسلام "ابن تيمية"، مما سبّب ارتباكا عند كثير من الناس في مسمّى الإيمان، حيث يحاول هؤلاء الذين ينشرون هذه الفكرة أن يُخْرِجُوا العمل عن مُسمَّى الإيمان، ويرون نجاة من ترك جميع الأعمال. وذلك مما يُسَهِّل على الناس الوقوع في المنكرات؛ بل وأمور الشرك وأمور الردة، إذا علموا أن الإيمان متحقق لهم ولو لم يؤدوا الواجبات ويتجنبوا المحرمات ولو لم يعملوا بشرائع الدين. وتأتي أهمية الكتاب من كونه يركز على قضية العمل وعلاقتها بحقيقة الإيمان، ومن ثم يثبت أن سبب كل انحراف في الأمة يرجع إلى البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك وسبيل الإصلاح. ومن ثم كان منهجه يقوم على ثلاثة أسس هي: دراسة الإرجاء على أنه ظاهرة فكرية لا فرقة تاريخية، ومعالجة وقائع الدعوة الإسلامية المعاصرة من هذا المنطلق، واختطاط منهج للبحث يضم مع البحث العلمي النظري مخاطبة البديهة والعقل والوجدان معا. وقد انتظم محتوى الكتاب في خمسة أبواب بعد المقدمة؛ ففي الباب الأول يبحث في حقيقة الإيمان وارتباط العمل به من خلال دعوة النبي وسيرته، وحقيقة النفس الإنسانية، وحقيقة الإيمان الشرعية. الباب الثاني يبحث في التاريخ الفكري للإرجاء، منذ نشأته إلى أن أصبح فِرَقا كثيرة، ثم ظاهرة فكرية عامة وواقعا طاغيا، مع الاهتمام الخاص بقضية "ترك العمل"، وحكمها عند المرجئة، والأسباب الفكرية لوقوع ذلك. الباب الثالث "الإرجاء الظاهرة" فيه تفصيل الكلام على نوعي الإرجاء؛ إرجاء الفقهاء والعبّاد، وإرجاء المتكلمين والمتمنطقين، وحكم ترك العمل في الطور النهائي للظاهرة. الباب الرابع: تفصيل لعلاقة الإيمان بالعمل، والظاهر بالباطن مع الاهتمام الخاص بأعمال القلوب التي كان الانحراف فيها من أعظم أسباب انتشار الظاهرة، وشرح نماذج منها، وهي بعض شروط لا إله إلا الله. والباب الخامس: بيان أن الإيمان حقيقة مركبة من ركني القول والعمل، توصلا بذلك إلى معرفة بطلان مذهب المرجئة في حكم تارك العمل مطلقا، وبيان حكم صاحب الكبيرة على ضوء ذلك، وسبب ضلال الفِرق فيه.