الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار
ابن عبد البر
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار
نبذة عن الكتاب

كتاب "الاستذكار" من جملة تآليف ابن عبد البر التي بلغت حدود الشُّهرة والقَبول؛ بل إنه يعد أحسن ما ألّف في فقه حديث موطأ الإمام مالك على الإطلاق؛ فمؤلّفه أحفظ علماء المغرب والأندلس في زمانه، وأعلمهم بالسنن والآثار، وأعرفهم باختلاف علماء الأمصار، والناس إلى اليوم يتسابقون إلى النهل من علمه، ويتنافسون في الحصول على تآليفه، قال عنه ابن سعيد الأندلسي: "إمام الأندلس في علم الشريعة ورواية الحديث، لا أستثني من أحد، وحافظها الذي جاز خصل السبق واستولى على غاية الأمد، وانظر إلى آثاره، تغنك عن أخباره، وشاهد ما أورد في تمهيده واستذكاره، وعلمه بالأنساب، يفصح عنه ما أورده في الاستيعاب، مع أنه في الأدب فارس، وكفاك على ذلك دليلا كتاب بهجة المجالس، وبالأفق الداني ظهر علمه، وعند ملوكه خفق علمه". ويعود سبب تأليفه على إلى ما ذكر هو نفسه في مقدّمة كتابه أن جماعة من أهل العلم وطلبته سألته أن يجعل لهم كتاب التمهيد على أبواب الموطأ ونسقه، ويحذف لهم منه تكراره وشواهده وطرقه، وأن يستوعب لهم شرح جميع ما في الموطأ من مسند ومرسل وأقوال الصحابة والتابعين، وما لمالك فيه من قول. وهذا يوضّح صلة "الاستذكار" بـ"التمهيد"، فالكتابان مرتبطان ارتباطا وثيقا؛ حيث إنّ محور ارتكازهما "الموطأ"، ويشتركان في أنّ كلاّ منهما يعرض الأحكام المستنبطة من الأحاديث وآراء الفقهاء عرضا مقارنا بين المذاهب، غير أن الاستذكار نحا فيه المؤلف إلى الإيجاز والاختصار وطرح ما في الشواهد من التكرار، وزاد فيه شرح ما لم يشترطه في التمهيد من أقوال الصحابة والتابعين وأئمّة السلف وفقهاء المذهب، وتفصيل اختيارات الإمام مالك رحمه الله. وقد بنى كلّ ذلك على نسق الموطأ وأبوابه بابا بابا. فنجده في "الاستذكار" يأتي إلى حديث الموطأ برواية يحيى بن يحيى، فيفصّل في الإسناد، ويحيل على التمهيد لمن أراد البسط، ويذكر اختلاف الناقلين لهذا الحديث، ويشرح ألفاظه من شواهد العربية، وما يستنبط منه من المعاني، ثم يذكر اختلاف أصحاب مالك في المسألة، ويتبعها باستعراض أقوال بقية فقهاء الأمصار، مع مناقشة أدلة كلّ فريق، وبيان الراجح من المرجوح. وقد كان معتمده -رحمه الله- في جلّ ذلك على المصادر الشفوية التي تلقاها وفق طُرق التحمّل المعروفة، مع اعتماده على مصادر المذهب المشهورة مثل "المدونة"، و"الواضحة" وغيرها، بيد أنّه لم يكن مالكيا مقلدا؛ إذ كان في كتابه مجتهدا مطلقا، له طريقته الخاصة في الفقه والاستنباط، واعتماد كتب المذاهب كلّها، جاعلا أساس المسائل عنده هو الدّليل. إنّ كل من تعرّض لشرح أحاديث "الموطأ" اعتمد على كتاب "الاستذكار"؛ فبدر العيني الحنفي (ت٨٥٥هـ) ينقل عنه فقرات مطولة في شرحه للبخاري المسمى "عمدة القاري"، ونقل عنه أيضا ابن التركماني صاحب "الجوهر النقي في اختصار السنن الكبرى للبيهقي". قال ابن كثير: "وقد اعتنى الناس بكتابه -يقصد الإمام مالك- وعلّقوا عليه كتبا جمّة، ومن أجود ذلك كتابي "التمهيد"، و"الاستذكار" للشيخ أبي عمر ابن عبد البر النمري القرطبي رحمه الله".