يتناول هذا الكتاب "إنصاف أهل السنة والجماعة ومعاملتهم لمخالفيهم" لمؤلفه محمد بن صالح بن يوسف العلي، قضية هامة من قضايا المنهج عند أهل السنة والجماعة، حيث يُبرز سمة الإنصاف والعدل والتزام الحق والصواب، مع الموافق والمخالف، كما يُظهر من ورع أئمة السلف وعلمهم وحسن مقاصدهم وعظيم مراقبتهم لأنفسهم أمثلة رائعة وكلمات نافعة. والباعث على تناول هذا الموضوع عدة أمور، منها أن الخلاف منه ما هو مذموم وهو الخلاف في الأصول والمذاهب الاعتقادية، وهو الذي أدى إلى تفرق الأمة وضعفها، ونشأت بسببه الكثير من الفرق الضالة، ومنه ما هو غير مذموم وذلك كالخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية، والخلاف في الآراء والسياسات ومجالات الشورى، إلا إنه قد يصير مذموما إذا رافقه التعصب للرأي أو المذهب أو الجماعة، وترتب عليه النزاع بين المسلمين، ومما يبعث على تناول هذا الموضوع أيضا ما بدا واضحا من افتقاد العدل والإنصاف في النظر إلى المخالفين وفي الحكم عليهم، واتباع الهوى والتعصب، كما أن ظاهرة الاختلاف والافتراق التي اتسعت فجوتها بين فصائل الصحوة الإسلامية والتي تنتمي في مجملها إلى أهل السنة والجماعة؛ صارت معولا خطيرا يهدد الصحوة، وخاصة أن أعدائها فطنوا له فأصبحوا يزيدون النار اشتعالا والفرقة اتساعا، هذا بالإضافة إلى شيوع التساهل في الرمي بالكفر والتضليل لمن لا يجوز تكفيره وتضليله، وانتشار ظاهرة تضخيم الأخطاء وتكبيرها والتكلف في تتبعها ومحاولة تشويه سيرة المخطئ وعدم التماس العذر له. كل هذه الأمور تبعث على التماس منهج أهل السنة والجماعة في ذلك، فهذا المنهج الأقوم يحتاج إلى العلم بأصوله، ومعرفة معالمه، والبحث في فروعه؛ ليتم القول به عن بينة، والاتباع على بصيرة، فكم من منتسب إلى منهج وهو جاهل به، وكم من مدعٍ اتباع سبيل وهو مخالف له، ويتجسد ذلك بوضوح أكثر في المسائل الدقيقة، والمواطن الخلافية التي يزل فيها العقل، وتجمح فيها النفس، ولا يكون الثبات على الحق والنهج إلا لمن وفقه الله وسدده بالعلم والبصيرة، وتربية النفس وتهذيبها. وقد قسم الكاتب الكتاب إلى مقدمة وتمهيد وخمسة فصول، فتناول في التمهيد ذم البدعة وبيان حرص أهل السنة والجماعة على الوحدة، أما الفصل الأول: بيان أن أهل السنة والجماعة هم أهل العدل والإنصاف، فقد تناول فيه العدل والإنصاف مع غير المسلمين، وإنصاف أهل السنة والجماعة للمبتدعة. وأما الفصل الثاني: قواعد أهل السنة والجماعة في حكمهم على الآخرين، فقد تناول فيه خطورة الحكم على المسلم بالكفر، وأنه لا تلازم بين البدعة وقائلها، وأن البدع تتفاوت في ضلالها وخطورتها، وأن أهل البدع يتفاوتون وتختلف أحوالهم، وأن الشخص الواحد قد يجتمع فيه إيمان ونفاق، كما قد يجتمع فيه إيمان وبعض شعب الكفر، وأن الخطأ في بعض المسائل الدقيقة في العقيدة لا يوجب التضليل والتبديع. أما الفصل الثالث: ضوابط أهل العدل والإنصاف، فهو أكبر فصول الكتاب، وتناول فيه التجرد عند الكلام على المخالفين واجتناب التعصب والهوى والحسد والعجب والكبر وحب الشهرة، وأنه لا جرح ولا تعديل إلا بعلم، وأهمية التبيّن قبل إصدار الأحكام، ولزوم حمل الكلام على أحسن محامله، وعدم اعتماد الناقد على نص واحد، وأن المسلم يوزن بحسناته وسيئاته، وأن كلام الأقران يُطوى ولا يُروى، وأن وقوع الخطأ من شخص لا يلزم وقوعه ممن هو على مذهبه أو طائفته أو جماعته، وأن الآراء هي التي تُنقد لا الأشخاص، وأن لازم القول ليس قولا، والامتناع عن المجادلة المفضية إلى النزاع، وحمل كلام المخالف على ظاهره. أما لفصل الرابع: معاملة أهل السنة والجماعة لأهل البدع، فتناول فيه حقوق وجوانب للتعامل مع المبتدعة كالصلاة خلفهم وأخذ العلم عنهم، والمسائل المتعلقة بزجر المبتدعة وعقوبتهم. وختم بالفصل الخامس: دعوة المبتدع وتوبته، وتناول فيه إمكانية توبة المبتدع شرعا وواقعا، وأهمية تغيير البدع والتأثير على المبتدعة، وبعض العوامل المهمة في تغيير البدعة عند أهل السنة. ويظهر في الكتاب حرص الكاتب على العناية بصحة الدليل والاستدلال، والتزام منهج أهل السنة والجماعة، وعلى توثيق النصوص والاعتماد على المصادر الأصلية، وقد أكثر من النقول عن ابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم، وقد اجتهد الكاتب في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وإسقاط أصول أهل السنة على الواقع المعاصر، كما حرص على تخريج الأحاديث من الصحيحين أو أحدهما، إلا إنه لم يلتزم دائما ذكر الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف إذا كان في غير الصحيحين أو أحدهما. وقد قامت دار الأندلس الخضراء بنشر هذا الكتاب ضمن سلسلة "معالم على طريق الصحوة" إسهاما في تحقيق هدفها في تقديم المنهج الإسلامي الأمثل في الاعتقاد والعبادة والفكر والدعوة